أثر التعليم في التنمية
يعد موضوع التنمية أهم موضوع يشغل الناس أفرادا وجماعات، شعوبا وحكومات، والسبب في ذلك أن الناس كلهم يسعون جاهدين للتنمية، كل على شاكلته، ولا يغفل عنها إلا من لا خلاق له في الدنيا ولا في الآخرة. فالهدف الأساس للتنمية هـو تحسين حياة البشر والازدياد من ذلك على حسب قدرات الناس وعزائم كل فرد، وعلى قدر أهل العزم تكون التنمية.
ومن ثم، فلا غرابة أن تكون التنمية «في حقيـقتها عملية حضارية، لكونها تشمل مختلف أوجه النشاط في المجتمع بما يحقق رفاهية الإنسان وكرامته، وهي أيضا بناء للإنسان وتحرير له وتطوير لكفاءاته وإطلاق لقدراته، كما أنها اكتشاف لموارد المجتمع وتنميتها وحسن تسخيرها» [1] ، بحيث تعود بالنفع للمجتمعات الإنسانية، دون المساس بسعادتها وأمنها.
ونظرا لأهمية التنمية فإنها تشغل حيزا كبيرا من كتابات المهتمين بأمر التطوير والرقي والازدهار والنهضة في المجتمعات الإنسانية، وليس الاهتمام [ ص: 71 ] بها لدى شعوب العالم الثالث أو ما يعبر عنه بالشعوب النامية [2] ، بل إن الشعوب التي حققت تطورا وازدهارا وشهدت نهضة كبيرة في عصرنا، والمتمثلة في العالم الغربي، لا تنفك عن الاهتمام بأمر التنمية، اهتماما بكيفية الزيادة في حجمها، كما وكيفا، والمحافظة عليها أيضا ولو بحجبها عن الآخرين. وأما شعوب العالم الثالث، والعالم الإسلامي أحدها، فإن التنمية شغلهم الشاغل، حيث إن مجتمعاتهم تعاني ضروبا من التخلف وأنواعا من التأخر تتمثل في التدهور في كثير من مجالات الحياة، ولذلك فهم أحرص الناس على التنمية، للخروج مما هـم فيه.
فضلا عن ذلك، فإن النهضة الحضارية التي تعد مطمحا أساسا لدى هـذه الشعوب، لا تتحقق إلا عن طريق التنمية. إذن، فليس ثمة خلاف حول أهمية التنمية وجدواها في تحقيق النهضة وحصول تطور لدى شعوب العالم، لكن الخلاف حاصـل في كيفية التنمـية ونوعيتها، وأي المجالات أو الأنشطة تكون محلا للتنمية، وإذا كانت هـناك مجالات متعددة لابد من تنميتها فأيها نقدم، فنهتم به قبل غيره، إلى غير ذلك من القضايا المتعلقة بطرق وأساليب التنمية التي نبحثها في الفقرات الآتية، ونستهلها ببيان مفهوم التنمية. [ ص: 72 ]