المبحث الثاني
الضوابط المحددة للعلاقة بين الظاهر والمعنى
إن معرفة هـذا النوع من الضوابط مهم وضروري؛ لأنها تشكل الإطار العام لفهم مقاصد التشريع العامة، إذ أن فهم النص ومعرفة معناه والحكمة المقصودة منه يمر حتما عبر النظر في ظاهره، ثم النظر في باطنه ومعناه، ثم النظر في غايته وحكمته، لذا اعتنى الشاطبي وابن عاشور بإبراز علاقة اللفظ بالمعنى واختلاف الآراء فيها، قبل تحديد مسالك الكشف عن المقاصد [1] .
وقد عرض الشاطبي -رحمه الله- بشكل مختصر في بضعة أسطر لمجموع الفرق -الظاهرية والباطنية والمتعمقون في القياس والجمهور- قبل الحديث عن مسالك الكشف عن المقاصد في نهاية الجزء الثاني من الموافقات، الذي خصصه للمقاصد ، غير أنه أشار إلى الضوابط التي تحكم العلاقة بين الظاهر والمعنى في مواطن كثيرة غير منتظمة من كتابه. [ ص: 89 ] أما ابن عاشور فإنه اهتم على الخصوص بالضوابط المحددة للمعنى المراد من النص، وهو المعبر عنه بـ: المقصد الشرعي ، وحصرها في أربعة ضوابط هـي: الثبوت، والظهور، والانضباط، والاطراد [2] .
أما الضوابط المحددة لعلاقة الظاهر بالمعنى، فإنه أشار إلى منهج الظاهرية الواقفين مع الظاهر وانتقده [3] .
كما أشار إلى منهج الباطنية ، وإن لم يذكرهم بهذا الاسم، عند حديثه عن المعاني الوهمية والتخيلات المنافية لمقصد الشارع؛ حيث عرفها وأورد لها أمثلة وبين حكمها في كتابيه: مقاصد الشريعة، وأصول النظام الاجتماعي [4] . كما طرح المنهج البديل الصالح لفهم النصوص واستخراج معانيها ومقاصدها بالاستعانة بمجموعة من الضوابط؛ كالالتفات إلى سياق الكلام ومقام الخطاب ومبينات من البساط وحافات القرائن [5] . لكن يصعب العثور عليها مجتمعة؛ لكونها جاءت غير منتظمة؛ في مواطن متفرقة.
وفيما يلي بيان وتحليل لتلك الضوابط: [ ص: 90 ]