الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

نحو فقه للاستغراب

الدكتور / محمد البنعيادي

المبحث الثاني: في الاصطلاح

(الاستغراب) يستـدعي إلى الذاكرة فورا مجموعة من المفاهيم وشبكة من المصطلحات سـادت في أوساط مثقفي الأمة منذ منتصف القرن 19 وما تزال سائدة حتى اليوم، ومن هذه المصطلحات والمفاهيم: الاستعمار والاستشراق والاستكبار؛ كما يستدعي مصطلحات أخرى من قبيل التبشير والتحضير والمركزية والعالمية والخطاب الكوني والخطاب العالمي والنظام العالمي وصراع الحضارات والثقافات والطائفية؛ كما يثير في الذاكرة مفاهيم أخرى نحو التوحش والبربرية والهمجية والإرهاب والأصولية والظلامية وقبلها الرجعية والتقدمية ونحوها.. [1] .

و(الاستغراب) مأخوذة من (الغرب) أي التطلع نحو الغرب لغاية ما، أي طلب الغرب.

وإذا كان معنى: استشرق: طلب علوم الشرق ولغاتهم، وهذا المعنى من المولدات اللغوية العصرية [2] ، وإذا كان الاستشراق اليوم دراسة الغربيين [ ص: 68 ] لتاريخ الشرق وأممه ولغاته وآدابه وعلومه وعاداته ومعتقداته وأساطيره [3] إذا كان الأمر كذلك، فإن الاستغراب هو طلب علوم الغرب ولغاته، وهو دراسة الشرقيين لتاريخ الغرب وأممه ولغاته وآدابه وعلومه وعاداته ومعتقداته وأساطيره، وهو كذلك من المولدات العصرية. فلابد -إذن- من التفريق في المصطلح بين الاستغراب والتغريب، إذ إن الاستغراب هو دراسات علمية وفكرية وثقافية للغرب، أما التغريب فإنما هو تقمص الفكر الغربي وثقافته وآدابه على حساب الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية والعربية، وما نتج عنها من آداب وفنون واجتماع واقتصاد وسياسة [4] .

فالاستغراب يمكن تعريفه – إذن- باختصار - بأنه الاهتمام بدراسة الغرب من جميع النواحي العقدية، والتشريعية، والتاريخية، والجغرافية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية..الخ. وهذا المجال لم يصبح بعد علما مستقلا، ولكن لا بد أن نصل يوما إلى المستوى الذي تنشأ فيه لدينا أقسام علمية تدرس الغرب دراسة علمية ميدانية تخصصية في المجالات العقدية والفكرية والتاريخية والاقتصادية والسياسية [5] . [ ص: 69 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية