الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

نحو فقه للاستغراب

الدكتور / محمد البنعيادي

المبحث الثاني: نظرات في التجربة الطهطاوية

المطلب الأول: نشأة في ظل التحولات الكبرى

كانت حياة الطهطاوي قبل البعثة إلى فرنسا سنة 1826م في فترة حافلة بالتحولات السياسية في مصر، فقد ولد في اليوم الذي رحلت فيه الحملة الفرنسية عن مصر وحضر فيه محمد علي باشا إليها، وتتابعت الأحداث فأصبح محمد علي حاكما عليها، كما أشرنا إلى ذلك سابقا. ثم جاء إلى القاهرة ليقضي فترة في الأزهر والجيش وقعت خلالها تحولات كبيرة في مراكز السلطة: خروج محمد علي من صراع السلطة بحكم مصر حكما شموليا، الدولة فيه هي الجيش والحاكم هو القائد، وكانت تصفية الممالك في مذبحة القلعة سنة 1811م تأكيدا لسلطة محمد علي، الذي بدأ يخطط لمستقبل البلاد.. وكانت أوروبا الناهضة ماثلة أمام عينيه، فذكريات الحملة الفرنسية وعلماؤها وتجاربهم وكتبهم وآلاتهم كانت ما تزال واضحة المعالم عند أبناء مصر، ولكن صورتها كانت مشوبة بما حدث أثناء الحملة الفرنسية مما اعتبره «الجبرتي» (لهوا وخلاعة) . وكانت إيطاليا أيضا ذات صورة واضحة في مصر. وهنا اتجه محمد علي بالبعثة الأولى سنة 1813م إلى مدن إيطاليا المختلفة، بينما استعان في داخل البلاد بعدد كبير من الإيطاليين في مرافق الدولة الحديثة. وبدأ تحول البعثات إلى فرنسا سنة 1825م، مع حضور «كلوث بك» وهو فرنسي، رئيسا لجراحي الجيش المصري. حيث [ ص: 158 ] أوضح «كلوث بك» لمحمد علي باشا أن أكثر من بالجيش من الإيطاليين أدعياء طب لا يعرفون من الطب الحديث شيئا مذكورا. وكان هذا عاملا في تحول البعثات إلى فرنسا، التي كانت مكانتها العسكرية والعلمية غير خافية على محمد علي. ولكن الحذر من (الحياة الفرنسية) جعل من الضروري حفظا لأعضاء البعثة (1826م) وصيانة لسلوكهم أن يلحق بالبعثة (واعظا وإماما) يشرف على أعضاء البعثة إلى جانب مشرفـين إداريـين آخرين. وما أن ظهرت فكرة تعيين إمام للبعثة حتى رشح الشيخ حسن العطار تلميذه رفاعة الطهطاوي لهذه الوظيفة. وهكذا بدأ التحول الكبير في حياة الطهطاوي، وهو تحول ارتبط عنده بشيخه العطار المتفتح على المعرفة الغربية والمؤمن بوجوب التغيير. وكان شغف العطار بالتعرف على التقدم في فرنسا وراء تدوين الطهطاوي لكتابه (تخليص الإبريز) [1] .

وكانت الحياة السياسية الفرنسية أثناء بعثة الطهطاوي زاخرة بالأحداث الجسام: كانت الثورة الفرنسية (1790م) ماثلة بمثلها وأحداثها ونتائجها الاجتماعية والسياسية، وأتاحت ثورة الفرنسيين (1830م) أن يعيش الطهطاوي أحداث فرنسا وأن يتمثل روح الثورة الفرنسية. ولقد نبه العطار شيـخ الطهطـاوي إلى ما عند الفرنسيـين من علم وحياة تخالف ما عرفته مصر، ورأى ضرورة معرفة ما عندهم أملا في مستقبل أفضل.اتصل

[ ص: 159 ] العطار بالفرنسيين، ولاحظ أن لديهم كتبا في العلوم الرياضية والأدبية والسياسية...وأن لديهم آلات فلكية وهندسية.

لقد اهتم العطار بمعرفة ما عند الفرنسيين، ورأى في الانفتاح على الثقافات الأجنبية امتدادا للانفتاح في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية. ويتضح موقف العطار في هذا من عباراته التالية: «إن من تأمل في علمائنا السابقين يجد أنهم كانوا مع رسوخ قدمهم في العلوم الشرعية لهم اطلاع عظيم على غيرها من العلوم والكتب التي ألفت فيها، حتى كتب المخالفين في العقائد والفروع، وأعجب من ذلك تجاوزهم إلى النظر في كتب غير أهل الإسلام من التوراة وغيرها من الكتب السماوية اليهودية والنصرانية، ثم هم مع ذلك ما أخلوا بتثقيف ألسنتهم برقائق الأشعار ولطائف المحاضرات» [2] .

إذن فالأستاذ الوحيد الذي أثر في الطهطاوي أثرا بعيدا، ومهد له طريق الانفتاح على الثقافة الأوروبية هو الشيخ حسن العطار-كما قلنا - الذي عرفه رفاعة الطهطاوي في الأزهر، فتوطدت العلاقة الفكرية بين الأستاذ المستنير والتلميذ النابه، وظلت هذه العلاقة قوية فعالة ومؤثرة في حياة الطهطاوي. كان الشيخ العطار - في تلك المرحلة - فريدا في موقفه من الجديد، الذي جاءت به الحملة الفرنسية التي أتت بجيش حكم البلاد وبعلماء ومكتبات وأجهزة علمية،كما جاءت بخط في السلوك الاجتماعي يقوم على

[ ص: 160 ] أساس الحرية، ومنها تحرير المرأة ومشاركتها في الحياة العامة. وفي سياق الانبهار شارك الشيخ عبد العزيز الشرقاوي في السلطة الفرنسية رئيسا للديوان، كما صادق خليل البكري السلطة، في حين انتبه المؤرخ الجبرتي إلى السلوك الاجتماعي عند الفرنسيين أثناء الحملة الفرنسية، وشجب ذلك، فكل مخالفة لما عرف في مصر بدعة وضلالة، لذلك لا يكاد يفرق بين (النساء الفواحش والأسافل) ، والفرنسيات اللائي يسرن مع أزواجهن حاسرات الوجوه لابسات الفستانات، ولم ينتبه الجبرتي عند إنشاء منتزه الأزبكية ومقهى حي الحسين في عهد الحملة الفرنسية إلا إلى ما بهما من (اللهو والخلاعة) وتلك هي طبيعة الفرنساوية [3] .

المطلب الثاني: في دوافع رحلة الطهطاوي

يؤكد الطهطاوي في كتابه (تخليص الإبريز) أن من دوافع إرسال محمد علي باشا المبعوثين إلى بلاد الغرب هو تفوق أهل هذه البلاد في (العلوم البرانية والفنون والصنائع، فإن كمال ذلك ببلاد الإفرنج أمر ثابت شائع، والحق أحق أن يتبع) ، وقد كان هدفه اكتساب هذه العلوم والمهارات ونقلها إلى البلاد الإسلامية لخلوها منها. ويضع الطهطاوي أسباب البعثة في إطار الأيديولوجية التطورية.

[ ص: 161 ] وتنعكس المؤثرات الأساسية لفكر الطهطاوي من خلال تبويبه لأطوار الحضارة ذات المراتب الثلاث:

- مرتبة الهمل المتوحشين.

- مرتبة البرابرة الخشنين.

- مرتبة أهل الأدب والطرافة والتحضر والتمدن.

وتلك المؤثرات تتمثل بالعقلانية الغربية وعالم المعارف والعلوم الحديثة، التي تفتح عليها من مشاهداته وقراءاته ثم ثقافته الأصلية الأزهرية، وتشخيصه العالم الإسلامي القادم منه. ولعل رسالة محمد علي باشا لطلاب البعثة والتي يحثهم فيها على الاجتهاد في طلب (العلوم البرانية) خير مرجع لتحديد دوافع البعثة، حيث يقول:

قدوة الأماثل الكرام الأفندية المقيمين في باريس لتحصيل العلوم والفنون، زيد قدرهم، ينهى إليكم أنه قد وصلنا أخباركم الشهرية والجداول المكتوبة فيها مدة تحصيلكم، وكانت هذه الجداول المشتملة على شغلكم ثلاثة أشهر مبهمة لم يفهم ما حصلتموه في هذه المدة، وما فهمنا منها شيئا، وأنتم في مدينة مثل باريس التي هي منبع العلوم والفنون، فقياسا على قلة شغلكم في هذه المدة، عرفنا عدم غيرتكم وتحصيلكم، وهـذا الأمر غمنـا غما كثيرا، فيا أفندية ما هو مأمولنا منكم، فكان ينبغي لهذا الوقت أن كل واحد منكم يرسل لنا شيئا من أثمار شغله وآثار مهارته، فإذا لم تغيروا هذه البطالة بشدة الشغل والاجتهاد والغيرة وجئتم إلى مصر بعد قراءة بعض كتب فظننتم أنكم [ ص: 162 ] تعلمتم العلوم والفنون، فإن ظنكم باطل، فعندنا ولله الحمد والمنة رفقاؤكم المتعلمون يشتغلون ويحصلون الشهرة، فكيف تقابلونهم إذا جئتم بهذه الكيفية وتظهرون عليهم كمال العلوم والفنون، فينبغي للإنسان أن يتبصر في عاقبة أمره، وعلى العاقل أن لا يفوت الفرصة، وأن يجني ثمرة تعبه، فبناء على ذلك إنكم غفلتم اغتنام هذه الفرصة وتركتم أنفسكم للسفاهة ولم تفكروا في المشقة والعذاب الذي يحصل لكم من ذلك، ولم تجتهدوا في كسب نظرنا وتوجهنا إليكم لتتميزوا بين أمثالكم. فإن أردتـم أن تكتسبـوا رضاءنا، فكل واحد منكم لا يفوت دقيقة واحدة من تحصيل العلوم والفنون... فمتى وصلكم أمرنا هذا، فاعملوا بموجبه، وتجنبوا وتحاشوا عن خلافه.

5ربيع الأول1245هـ [4] .

المطلب الثالث: دوافع تأليف (تخليص الإبريز)

يقول في هذا الكتاب: «سهل لي الدخول في خدمة صاحب السعادة (يعني محمد علي باشا» أولا في وظيفة واعظ في العسـاكر الجهـادية، ثم منها إلى رتبة مبعوث إلى باريس صحبة الأفندية المبعوثين لتعلم العلوم والفنون الموجودة بهذه المدينة البهية، فلما رسم اسمي في جملة المسافرين، وعزمت على التوجه أشار علي بعض الأقارب والمحبين، لاسيما شيخنا

[ ص: 163 ] العطار، فإنه مولع بسماع عجائب الأخبار والاطلاع على غرائب الآثار أن أنبه على ما يقع في هذه السفرة وعلى ما أراه وما أصادفه من الأمور الغريبة والأشياء العجيبة، وأن أقيده ليكون نافعا في كشف القناع عن محيا هذه البقاع، التي يقال فيها إنها عرائس الأقطار، وليبقى دليلا يهتدى به إلى السفر إليها طلاب الأسفار، خصوصا وأنه من أول الزمن إلى الآن لم يظهر باللغة العربية - على حسب ظني- شيء في تاريخ مدينة باريس، كرسي مملكة الفرنسيين، ولا في تعريف أحوالها وأحوال أهلها» [5] .

ويضيف: «... ومن المعلوم أني لا أستحسن إلا ما لم يخالف نص الشريعة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة وأشرف التحية. وليست هذه الرحلة مقتصرة على ذكر السفر ووقائعه، بل هي مشتملة أيضا على ثمرته وغرضه، وفيها إيجاز العلوم والصنائع المطلوبة، والتكلم عليها على طريق تدوين الإفرنج لها، واعتقادهم فيها وتأسيسهم لها.. وقد سميت هذه الرحلة: «تخليص الإبريز في تخليص باريس» أو «الديوان النفيس بإيوان باريس» [6] .

ومن مطالعتنا لهذا الكتاب يبدو أن الأعوام، التي قضاها في باريس كان لها عظيم الأثر عليه، ترجمها فيما بعد في كتبه التالية. فقد عرف الكثير عن الحياة الاجتماعية إلى جانب معرفته بالحياة الثقافية والسياسية والفلسفية، من خلال قراءته لكبار علماء فرنسا ومفكريها مثل روسو ومونتسكيو

[ ص: 164 ] وغيرهم من مفكري الثورة الفرنسية. وتظهر خبرة الطهطاوي بالحياة الفرنسية جلية في هذا الكتاب، عندما أخذ يطلب المزيد من المعرفة التاريخية والفكرية والعلمية، ولم يكتف بما درسه مع أعضاء البعثة.

يقول: «ثم قرأت عند مسيو شولييه كتابا يسمى لطائف التاريخ... ثم بعده كتابا يسمى سير أخلاق الأمم وعوايدهم وآدابهم، ثم تاريخ سبب عظم دولة قياصرة الروم وانقراضها، ثم كتاب رحلة أنخرسيس الأصغر إلى بلاد اليونان، ثم قرأت كتاب سيفور في التاريخ العام، ثم سيرة نابليون، ثم كتابا في علم التواريخ والأنساب، ثم كتابا يسمى بانورما العالم، يعني مرآة الدنيا، ثم رحلة صنفها بعض المسافرين في بلاد الدولة العثمانية، ثم رحلة في بلاد الجزائر» [7] .

ويلاحظ في هـذه الكتب التاريخية التي اهتم بـها الطهطـاوي، أنـها لا تتناول التاريخ السياسي فحسب، بل تتناول أيضا التاريخ الاجتماعي، ويدخل فيها ما كتبه الرحالة وصفا لمناطق زاروها. فالكتب التي قرأها الطهطاوي تقدم له صورة للماضي من كل جوانبه. تناولت قراءة الطهطاوي في التاريخ موضوعات جديدة على القارئ العربي مثل تاريخ اليونان والرومان، وتاريخ أوروبا – خاصة - كما تضمنت فصولا خاصة بحضارة الشرق القديم، وكتبا تصف أحوال بلاد الدولة العثمانية. فما أعظم الفرق بين هذه وتلك [8] .

[ ص: 165 ] ويعتبر كتاب الرحلة للطهطاوي (تخليص الإبريز) أهم وثيقة أدبية تتحدث عن الآخر في مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، فهو أول مؤلف في العصر الحديث عن أوروبا «يكشف القناع عن محيا هذه البقاع، ويمثل أول رواية تطور في الأدب العربي، بمعنى أن المؤلف يأخذ بنظرية التطور الحضاري، ويفتح باب البحث في أسباب الرقي والتأخر. وهو مبحث شغل الفكر العربي بفئاته المختلفة، الإصلاحية الإسلامية والعلمانية، في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر» [9] .

ونظرا لجدية الطهطاوي وتفانيه في الاغتراف من الثقافة الغربية، واعترافا بقدرته على الاطلاع الواسع على المنظومة الفرنسية، على مجموعة من المستويات السياسية والدستورية القانونية والفلسفية... نظرا لذلك بعث له المستشرق دي ساسي رسالة يريده أن يطلع عليها أستاذه مسيو جومار قال فيها:

«لما أراد مسيو رفاعة أن أطلع على كتاب سفره (يقصد تخليص الإبريز) المؤلف باللغة العربية، قرأت هذا التأريخ إلا اليسير منه. فحق لي أن أقول: إنه يظهر لي أن صناعة ترتيبه عظيمة، وإن منه يفهم إخوانه من أهل بلاده فهما صحيحا عوايدنا وأمورنا الدينية والسياسية والعلمية، ولكنه يشتمل على بعض أوهام إسلامية. ومن هذا الكتاب يعرف علم هيئة العالم،

[ ص: 166 ] وبه يستدل على أن المؤلف جيد النقد، سليم الفهم، غير أنه ربما حكم على سائر أهل فرنسا بما لا يحكم به إلا على أهل باريس والمدن الكبيرة، ولكن هذه نتيجة متولدة ضرورة من حالته التي هو عليها، حيث لم يطلع على غير باريس وبعض المدن, وقد أحرص في باب العلوم على ذكر المعلومات توطئة للتوصل إلى المجهولات خصوصا في نبذته المتعلقة بعلم الحساب وبهيئة الدنيا. وعبارة هذا الكتاب في الغالب واضحة غير متكلف فيها التنميق كما يليق بمسائل هذا الكتاب، وليست دائما صحيحة بالنسبة لقواعد العربية، ولعل سبب ذلك أنه استعجل في تسويده... وبالجملة فقد بان لي أن ميسيو رفاعة أحسن صرف زمنه مدة إقامته في فرانسا، وأنه اكتسب فيها معارف عظيمة وتمكن منها كل التمكن حتى تأهل لأن يكون نافعا في بلاده، وقد شهدت له بذلك عن طيب نفس وله عندي منـزلة عظيمة ومحبة جسيمة.

إمضاء: البارون سلوستري دي ساسي

باريس، في شهر فبراير1831م/19شعبان 1246 هـ» [10] .

وكان فرانسوا جومار (1777/1862م) أحد مرافقي نابليون إلى مصر، وأحد كبار أساتذة الطهطاوي لاحقا، هو الذي ألقى تلك الخطبة في البعثة التي صحبها الطهطاوي إلى باريس سنة 1826م، وذلك لدى توزيع جوائز النجاح في الامتحان يوم 4 يوليو 1828م، ومما جاء فيها:

[ ص: 167 ] «إنكم منتدبون لتجديد وطنكم، الذي سيكون عاملا على تمدين الشرق بأسره، فيا له من نصيب ترقص له طربا القلوب، التي تعشق الفخر وتدين بالإخلاص للوطن، أمامكم مناهل العرفان، فاغترفوا منها بأيديكم، وهذا قبسه المضيء بأنواره أمام أعينكم، فاقتبسوا من فرنسا نور العقل، الذي رفع أوروبا على بقية أجزاء الدنيا..وفرنسا التي تعلمكم وتهذبكم تفي ما عليها من الدين للشرق على الغرب كله» [11] .

إن كتاب «تخليص الإبريز» يعتبر تمهيدا لسلسلة من الكتب والآراء، التي ستأتي بعده إما من تأليف آخرين من تلاميذه خاصة، أو من ترجمة آخرين بعده.

وحسبنا - لتقييم أولي للكتاب- أن نلمح إلى ملاحظتين رئيستين:

- الأولى: وهي أن آثار الانبهار بالغرب كانت واضحة، فالغرب عنده هو المرآة المثالية التي تعكس عيوب الذات.

- الثانية: وهي أن مدح السلاطين إلى درجة التملق يكاد يحتل الصدارة في الكتاب، وهذا خـلاف الخطاب الإصلاحي، الذي لا يقف مقام سلطة أو هيبة عالم له هفوة [12] .

[ ص: 168 ] ولا ننهي هذا المبحث دون أن نشير إلى أن الطهطاوي، وفور عودته إلى مصر سنة 1831م، بادر إلى ترجمة كثير من الكتب الفرنسية في شتى العلوم والفنون، التي كان لها أثر حاسم في تدشين عهد جديد للفكر في مصر وما حولها من البلاد العربية، وهو العهد الذي تعرف فيه المسلمون على شيء من معارف أوروبا وعلومها الجديدة [13] .

وتمكن العودة لكتاب (تلخيص الإبريز) -دراسة لمتنه كاملا- من التأصيل النظري لبدايات (الاستغراب) في العصر الحديث وقضاياه التي طرحها آنذاك مثل: قضية الاقتباس من (الآخر) ، قضية المرأة، قضية الحرية، قضية السياسة...

وقبل نهاية هذه الوقفة عند التجربة الطهطاوية مع الظاهرة الغربية أبرز مجموعة من الملاحظات من خلال المبحث التالي.

[ ص: 169 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية