المطلب الأول: تحديد المفهوم:
فقه الواقع مركب إضافي، وقبل تعريفه مركبا، ينبغي تعريف مفردات عناصر المركب، وهي فقه وواقع.
1- تعريف الفقه:
التعريف الإفرادي:
أ - التعريف المعجمي:
يطلق الفقه في المعاجم ويراد به ثلاثة معان، وهي: العلم، والفهم، والحذق في الفهم.
ب - التعريف المصطلحي:
المقصود بالفقه هنا، المعنى الواسع للفقه والذي يقرب من المعنى المعجمي أكثر منه في المصطلحي [1] . [ ص: 65 ]
2- تعريف الواقع:
أ - التعريف المعجمي:
الواقع اسم فاعل من وقع يقع وقوعا، قال ابن فارس: "الواو والقاف والعين أصل واحد يرجع إليه فروعه، يدل على سقوط شيء. يقال: وقع الشيء وقوعا فهو واقع، والواقعة: القيامة، لأنها تقع بالخلق فتغشاهم. والوقعة: صدمة الحرب،... وموقعة الطائر: موضعه الذي يقع عليه" [2] .
وقال الزمخشري: "وقع الأمر: حصل ووجد" [3] .
وقال الراغب: "وقع: الوقوع ثبوت الشيء وسقوطه، يقال: وقع الطائر وقوعا، والواقعة لا تقال إلا في الشدة والمكروه، وأكثر ماجاء في القرآن من لفظ وقع جاء في العذاب والشدائد... ووقع المطر نحو سقط، ومواقع الغيث مساقطه" [4] .
ومن الدلالات المعجمية أيضا لمادة وقع ما قاله ابن منظور: "والواقعة: الداهية، والواقعة: النازلة من صروف الدهر" [5] .
وبناء على التعاريف السابقة يمكن حصر الدلالات المعجمية فيما يأتي:
المعنى الأول: هو السقوط.
المعنى الثاني: الحصول والوجد.
المعنى الثالث: الثبوت. [ ص: 66 ]
المعنى الرابع: الواقعة: تقال في الشدة والمكروه، والداهية.
المعنى الخامس: النازلة.
ب - التعريف المصطلحي:
يعد مصطلح الواقع من المصطلحات المستعملة في أكثر من تخصص معرفي ويختلف مدلوله حسب الحقل والتخصص المعرفي، فهو يستعمل عند النحاة والصوفية والمتكلمين والفلاسفة والفقهاء.
ولم أجد - فيما بحثث عنه- تعريفا للواقع عند المتقدمين من الفقهاء، والسبب "أن الفقهاء لا ينطلقون من النظري إلى التطبيقي، وإنما يبنون نظرهم من خلال ملاحظتهم للعلل، التي تربط بين أحكام الشرع المنصوص عليها والنوازل الجديدة، فيقعدون قواعد فقهية من خلال العلاقة بين الحكم المطلق وفعل المقيد، بما يمكن أن نسميه بالمنهج التجريبي، الذي ينطلق من وصف الظاهرة ثم تحليلها، ثم اكتشاف القانون الذي يحكم تلك الظاهرة." [6]
ويعرف صديق حسن خان الواقع بقوله: "الواقع: هو ما عليه الشيء بنفسه في ظرفه مع قطع النظر عن إدراك المدركين وتعبير المعبرين" [7] .
وسيتم الاقتصار على هذا التعريف لسببين رئيسين:
أولهما: انضباطه بشروط صياغة الحدود، فكان التعريف جامعا للمعرف، مانعا من دخول غيره، والحكمة ضالة المؤمن" [8] .
ثانيهما: أن تعريفه لا يختلف عن المقصود من الواقع عند الفقهاء. [ ص: 67 ]
- التعريف التركيبي لفقه الواقع:
اختلفت تعاريف الباحثين لهذا المركب، فقد عرفه الأستاذ سعيد بيهي بقوله: "معرفة النفس ما عليه الشيء بنفسه في ظرفه، وكيفية استفادتها، وحال المستفيد." [9] ، وتجدر الإشارة أن الأستاذ استفاد من تعريف صديق حسن خان السابق.
أما الأستاذ الشاهد البوشيخي فقد أعطى لمفهوم فقه الواقع بعدا آخر فعرفه بقوله: "الفهم الدقيق النافذ إلى أعماق الوضع الذي عليه الأمة بكل مكوناتها، في هذا الظرف المعيش، داخل المجال الدولي المحيط". [10]
وقد قام بعض الباحثين بتوسيع مدلول هذا المفهوم نحو الأستاذ ماهر حصوة إذ عرفه قائلا: "إدراك الأوصاف المؤثرة، والأحوال المعاشة المقتضية تطبيق حكم الشرع". [11] ، ويتجلى توسيع المفهوم عند الأستاذ في إدخاله عنصري تنقيح المناط وتخريجه ضمن فقه الواقع، لاعتباره أن فقه الواقع يتأسس على فقه واقع النص، وفقه واقع تطبيق النص. [12]
فالمقصود بفقه واقع النص تنقيح المناط وتخريجه، وفقه واقع تطبيق النص: تحقيق المناط. [ ص: 68 ]
يلاحظ على هذا التعريف الخلط بين مستويين في التعامل مع مفهوم الواقع، فالدلالات التي أعطاها الأستاذ تنطبق أكثر على الاجتهاد في الواقع لا فقه الواقع.
وحتى لا يقع خلط بين المصطلحين أرى من الضروري تعريف الاجتهاد في الواقع حتى يتم الفصل بين المصطلحين، فالأستاذ محمد بنعمر يعرف الاجتهاد في الواقع بقوله: "الاجتهاد في الواقع هو المعرفة الكاملة لفقه النص ولفقه المحل معا، لما في هذه المعرفة من أهمية في تنـزيل الحكم على الواقع" [13] .