المطلب الأول: فقه الموازنة:
- مفهوم فقه الموازنة:
فقه الموازنة مركب إضافي تتوقف معرفته على معرفة مكونات التركيب، لذلك يلزم تحديد كل مصطلح على حدة حتى تتبين دلالته التركيبية.
1- الفقه:
أ- التعريف المعجمي:
هو الفهم مطلقا [1] ، وذهب الراغب إلى أن "الفقه هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد فهو أخص من العلم" [2] ، وقال ابن منظور: "الفقه العلم بالشيء والفهم له" [3] .
ب- التعريف المصطلحي:
كانت تطـلق كلمـة الفقـه في العصـر الأول على "معرفة النفس، ما لها وما عليها" [4] ، ثم تطور المصطلح إلى أن أصبح يطلق ويراد به المعنى الاصطلاحي المحدد، الذي عرفه الأئمة الأربعة، وهو "العلم بالأحكام الشرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية " [5] ، فهذا المعنى نشأ بعد تمايز العلوم [6] . [ ص: 137 ]
2- الموازنة:
أ- التعريف المعجمي:
وازنت بين الشيئين موازنة ووزانا، وهذا يوازن هذا، إذا كان على زنته، أو كان محاذيه [7] ، ووازنه: عادله وقابله، وأيضا حاذاه [8] .
فالموازنة معجميا تطلق ويراد بها المعادلة والمقابلة وكذا المحاذاة.
وبعـد التعريف الإفرادي لمصطـلحات التركيب، يلزم إعطـاء تعريف تركيبي.
ب- التعريف الاصطلاحي التركيبي:
انطـلاقا من كلام الإمام ابن تيمية يمكن استخراج تعريف للموازنات، فهي: "معرفة مراتب المعروف والمنكر، ومراتب الدليل بحيث يقدم أهمها عند المزاحمة، أعرف المعروفين، وتنكر أنكر المنكرين، وترجح أقوى الدليلين" [9] .
أو هو "ترجيح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما" [10] . [ ص: 138 ]
- ضمائمه:
1- فقه التزاحم:
أ- التعريف المعجمي:
قال ابن فارس: "الزاء والحاء والميم أصل يدل على انضمام في شدة، يقال: زحمه يزحمه وازدحم الناس" [11] . والزحم: أن يزحم القوم بعضهم بعضا من كثرة الزحام إذا ازدحموا، يقال: زحم القوم بعضهم بعضا يزحمونهم زحما وزحاما: ضايقوهم، وازدحموا وتزاحموا: تضايقوا [12] .
ب- التعريف المصطلحي:
يعرف الزركشي التزاحم بقوله: "توارد الحقوق وازدحامها على محل واحد" [13] ، ويعرفه الأستاذ محمد الوكيلي: "هو: التصادم بين حكمين شرعيين في الواقع العملي، على نحو يعجز معه المكلف عن الجمع بينهما، فيضطر إلى اختيار أحدهما وإعطائه الأولوية التنفيذية" [14] .
فالموازنة تكون عند توارد المصالح والمفاسد وازدحامها على محل واحد. [ ص: 139 ]
2- فقه الأولويات:
أ- التعريف المعجمي:
أصـلها من الولي: وهـو القرب والـدنو [15] ، وأولاه على اليتيم: أوصاه عليه [16] .
ب- التعريف المصطلحي:
ويعتبر هذا المصطلح من المصطلحات الجديدة التي لم تكن رائجة عند الفقهاء القدامى، لذلك سيتم الاقتصار على بعض تعاريف المعاصرين.
يعرف الأستاذ محمد الوكيلي فقه الأولويات بقوله: العلم بالأحكام الشرعية، التي لها حق التقديم على غيرها بناء على العلم بمراتبها وبالواقع الذي يتطلبها [17] .
ويعرفه الأستاذ محمد همام ملحم: العلم بمراتب الأعمال ودرجات أحقياتها في تقديم بعضها على بعض، المستنبط من الأدلة ومعقولها ومقاصدها [18] .
فعلى هذا يندرج فقه الموازنة ضمن فقه أكبر هو فقه الأولويات، ويكون عند تزاحم المصالح والمفاسد. [ ص: 140 ]