ثانيا: مشكلة البحث وأهميته:
تكمن المشكلة التي يعالجها هذا البحث في تفلت كثير من (الأفعال) التغييرية من عقال (الأفكار)، وعدم اتسام بعض محاولات الإصلاح بالتوازن بين الثنائيات الحاضرة فيها. [ ص: 33 ]
وتمثل دراسة هذه المشكلة أهمية بالغة للعوامل الآتية:
1- ارتفاع أصوات الربيع العربي، واعتقاد كثيرين أن تغيير الأوضاع السياسية سيؤدي إلى تغيير آلي لأوضاع التخلف، مع مافي هذا الاعتقاد من تجاوز للسنن وللوقائع، بل ولثوابت الفكر الإسلامي.
2- السباق المحموم بين التيارات الطرفية على استقطاب الجماهير، وعملها الدائب على فصل الجماهير عن عقولها، عبر دفعها إلى (تقليد) النموذج التاريخي للمسلمين بدون تمحيص، أو إلى (محاكاة) النموذج الغربي المعاصر بدون غربلة.
3- التباين الحاد في الموقف من الحضارة الغربية، بين الداعين للذوبان فيها أو المتجهين للصراع معها، حيث انتقد "مالك بن نبي" جوانب الضعف والانحراف في هذه الحضارة، ودفع "جولن" نحو حوار الحضارات بدلا من الصراع معها. وبذلك يبعد الأول الأمة عن الغزو الثقافي (المرفوض)، ويدفعها الآخر نحو التفاعل الحضاري (المفروض).
4- الجهود الجبارة التي قدمها هذان المفكران العلمان، وعدم معرفة كثير من العرب بهما، فضلا عن أن يكونا قد استوفيا ما يستحقانه من الدراسة والتقدير والتأسي، ولاسيما "جولن" الذي يجهله أكثر القراء العرب.
5- ثراء مشـروعي هذين المفـكرين العظيمين، سواء على مستوى الفكر بالنسبة لمالك أو على مستوى الممـارسة بالنسبـة لجولن، مع إمكانية تحول مشروعيهما إلى نواة لنهوض حضاري شامل للأمة، نظرا لوسطيتهما واعتدالهما، ولاحترام قطاعات عريضة من المسلمين لهما، بسبب عدم تحزب مؤسسيهما. [ ص: 34 ]