4- تدوير عجلة التغيير من (الذات) إلى (العالمية):
قيم الإيجابية في هذه الأمة مثل الشجرة التي تنمو من داخلها، ويستحيل أن يتم النمو من الخارج، مهما كانت الإمكانات والإغراءات.
ولهذا رسم جولن - كما أسلفنا - مثالا للتغيير، يتجاوز تركيا إلى العالم الإسلامي ثم العالم كله، بل ويطمع في الخروج من كوكب الأرض، بحثا عن كائن قد يكون بحاجة إلى هداية ورحمة الإسلام.
لكنه يبدأ التغيير دوما من الذات، فالذي نجح في تغيير نفسه يمكنه أن يغير كل شيء، والذي عجز عن تغيير ذاته يستحيل عليه أن يغير أي شيء. [ ص: 188 ] ولقد أطلق صيحته الهادرة: "على الذين يحاولون أن يصلحوا العالم إصلاح أنفسهم أولا" [1] ، والبداية هي إصلاح الفكر لأنه سلاح خطير وثماره قد تكون إما شجرة طوبى في الجنة أو شجرة الزقوم في جهنم [2] .
هذا في الجانب النظري، أما في الجانب العملي فإن على الفرد أن يعمل بما يقول، وأن يطبق ما يدعو إليه، وأن يكون قدوة حسنة ونموذجا طيبا حتى يلفت أنظار الناس ويصدقون ما يدعو إليه [3] .
وعلى المستوى العالمي حمل جولن المسلمين مسؤولية إيصال رحمة الإسلام إلى الناس جميعا، ومسؤولية إقامة (التوازن الدولي) الذي يمنع التظالم والتحارب. ولا يكتفي بالدعوة بل يبشر بأن هذا (التوازن الدولي) المنشود صار وشيكا [4] .
غير أنه لا ينـظر إلى عالم الغرب وبقية العوالـم غير المسـلمة على أنها دار حرب أو دار كفر، وإنما يرى أنـها دار خـدمة، ولهذا امتدت أيادي "أبناء الخدمة" إلى كثير من بقاع العالم، وعلى سبيل المثال امتدت مـدارس الخدمـة إلى مـائة وستين دولة في العالم (عام 2011م)، مع العلم أن الدول الإسلامية حوالي ستين دولة، أي أن قرابة مائة دولة هي في [ ص: 189 ] الأصل غير إسلامية، وهذا لا يعني عدم وجود أقليات أو جاليات إسلامية فيها بالطبع.
وفي هذا السياق، فإنه يطالب بإبلاغ رسالة الإسلام في كل الدوائر ضمن أنظمة وقوانين كل دائرة، ودون الانجرار إلى الممارسات غير المشروعة، وعلى رأسها ممارسة العنف والفوضى، فلا مجال للإرهاب والفوضى حيث يكون المسلم [5] .
وفي إطار الأهداف التي يجب أن نسعى إلى تحقيقها، يحث على دمج الذاتية مع العـالمية، بحيث نحـافظ على خطنا الخاص، ونحافظ في ذات الوقت على التكامل مع سائر الكائنات [6] ، وبمثل هذه المعادلة، وبالتشبع بروح الحب والمسؤولية يتم في حس الذات البناءة الموازنة الدقيقة بين الوطن والأمة والإنسانية [7] .
وما دام أن جـولن ينهل من الفكر الإسـلامي، الذي يعد العدل العالمي إحدى خصائصه الأصيلة، فإن المجتمع الإسلامي أولى بالعدل، والضعفاء من أبناء المسلمين أحوج إلى إنصافهم من الأقوياء، حتى تنسجم مدخلات ومخرجـات التغيير. وهذا ما سنعالجه في موازنة الثنائية الأخيرة من هذا البحث. [ ص: 190 ]