1- "الخدمة" استجابة للحق في نفع الخلق:
من خلال ما مر معنا يستطيع القارئ بسهولة أن يدرك أن "تيار الخدمـة" الذي أوجده جولن إنما جاء استجابة لأوامر الله وتوجيهات رسوله صلى الله عليه وسلم من أجل نفع الناس عموما. [ ص: 191 ]
ومن الطبيعي أن يكون الضعيف أحوج إلى الخدمة من القوي، فالفقير أولى بالمعونة من الغني، والسقيم أولى بالمساندة من السليم، والجاهل أولى بالتعليم من المتعلم، والعاصي أولى بالموعظة من المطيع، والمنحرف أولى بالهداية من المستقيم. وهذا ما فعله جولن ودعا إليه، وسلك كل سبيل شرعي ممكن من أجل تحقيقه.
وتطبيقا لمبدأ دور الأفكار المركزي في إحداث التغيير، سواء كان هذا التغيير كبيرا أو صغيرا، عالميا أو محليا، فقد أبرز الفكرة الإسلامية المشرقة عن الإنسانية والعدل والمساواة والرحمة والخدمة.
وقد بدأ بالقرآن الكريم، فذكر أنه: "الكتاب الوحيد الذي أمر بالعدالة الحقيقية وبالحرية الحقيقية، وبالمساواة المتوازنة، وبالخير والشرف والفضيلة والشفقة.."، وأنه "الكتاب الوحيد الذي صان اليتيم والفقير والمظلوم وأجلس السلطان والعبد، والقائد والجندي، والمدعي والمدعى عليه على طاولة واحدة أمام المحكمة" [1] .
وانتقل إلى السنة النبوية، فذكر أن "الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي بلغ الإنسانية جمعاء نظرة الدين في أن الحفاظ على العرض والشرف، وعلى الوطن والأمة وحراستها والكفاح في سبيلها جهاد، وأن الجهاد أسمى ذروة في سلم أداء وظيفة العبودية لله تعالى. وهو أول من أعلن للإنسانية عن الحرية الحقيقية، وأن الجميع متساوون أمام القانون وأمام العدالة، وأن أكرمهم عند الله أتقاهم، وأن دعوة الظالمين إلى اتباع الحق عبادة" [2] . [ ص: 192 ]
وكشف الغطاء عن القيمة الثمينة للعدل في مواضع كثيرة من كتبه، حتى أنه سجل في أحدها أن: "الخرائب التي يسودها العدل أفضل من القصور، والقصور التي يسودها الظلم أسوأ من الخرائب" [3] .
كل هذا من أجل أن يصبح العدل قيمة ذاتية تجري في دماء الأفراد، لأنه لا يوجد مجتمع عادل بدون أفراد عادلين، ومتشبعين بأفكار ومشاعر العدل على مستوى العقل والقلب.
وانتقل إلى تلاميذه الذين اصطفاهم من بين ملايين الأتراك الذين استمعوا إلى خطبه ومواعظه ودروسه ومحاضراته، والذين قرأوا كتبه ومقالاته، ليجعل منهم أهلا لخدمة المحتاجين، والاحتياج نسبي هنا، ولا فرق عنده بين الاحتياج المادي والاحتياج المعنوي إن لم يكن المعنوي أخطر وأولى من المادي. ولهذا جعل دستور رجل الدعوة يتمحور جميعه حول الخدمة[4] ، وطالبه باستحضار نية الخدمة دائما وأبدا [5] .
ومن خلال عنوان هذا التيار: (الخدمة) اتضحت وجهته، حيث انتصب كجسر لإحداث التوازن بين الأثرياء والمحتاجين. والأثرياء هنا هم الأغنياء مالا أو علما أو سلطة أو جاها أو طاعة والتزاما، وعكسهم هم المفتقرون لهذه الأمور، فيكونون محتاجين لما يكملهم. [ ص: 193 ]