- المطلب الثاني: التنوع في العلوم:
البحث العلمي الجاد من مقاصـده الوصول إلى المعلومات الجديدة، التي تثري الفكر، وتوسع مدارك العقل، وتضيف جديدا إلى المكتبة الإسـلامية، والمصـادر القديمة غنية بالمعلومـات، وممتلئة باللآلئ الثمينة، التي تحتاج إلى غواص جيد يأتي بها ويعرضها في صـورة علمية متكاملة، وإن الحصول على المعلومة السـليمة، التي تدون في كتب المتأخرين يحتاج إلى بحث عميق واجتهاد كبير للوصول إلى المعلومة من بطون الكتب، والعثور على اللآلئ النفيسة.
وما أجمـل أن يكون مصـدر المعلومـة من خـلال بحث اجتهـد فيه الباحث، وتنقل من أجـلها في أكثر من مرجـع حتى وصل إلى المعلومة، فأخذها بأمـانة، واسـتدل بها على صـحة شيء أو بطـلانه. والإمام، رحمه الله، كان من هـذا الطراز الذي كانت معلوماته نتيجة بحث عميق، فهو يقول:
"وأما بسط النظر في علوم متعددة فلارتباط العلوم بعضها ببعض، وكلما كان الإطلاع على العلوم أوسع، كان البحث في المسائل أجود، والخطأ في تقريرها أقل، والاحتجاج عليها أسـلم، فلا يجيد دراسة التفسـير أو الحديث من لم يكن ضليعا في العربية. ولا يحكم الاستدلال على العقائد ويدفع ما يحوم عليها من شبه إلا من كان عارفا بالتفسير والحديث [ ص: 148 ] والقوانين المنطـقية والمذاهب والآراء الفلسـفية. ولا يقوم على دراسة الفقه أو أصوله من لم يملأ يده من الحديث والتفسير والعلوم العربية" [1] .
فالعلوم تخرج من بعض وتدخل في بعض، ويلزم للمصلح وجود الخلفية السـليمـة عن كل علم حتى يتمكن من التصـور الصحيح والعمل الإصلاحي السليم.
يقول الإمام: "وإطلاع الرجل على علوم كثيرة يعرف موضوع بحثها ويقف على جانب عظيم من مبادئها، لا يمنعه من الإقبال على علم يجعل له من الدرس والمطالعة ما يرفعه إلى مرتبة أئمته، الذين يكتبون فيه فيحققون، ويسألون عن أخفى مسائله فيجيبون والذي يضع يده في علوم شتى يمكنه أن يجاري طوائف العلماء في المباحث المختلفة" [2] .
فالعلم الذي يرتبط به الإصلاح قائم على همة العالم العالية وكثرة إطلاعاته، وتبحره في العلوم، وتفرغه الوقت الطويل للقراءة والبحث الدقيق، فهذه أسباب جديرة أن تجعـله يقف على فكرة جديدة، وأن يفتح له باب لم يفتح لأحد قبله، وأن ييسر له بحث تحتاجه المكتبة الإسلامية، فيكون قد أفاد وأجاد. [ ص: 149 ]