الثاني: مجالات التفاعل الحضاري الجائزة:
لقد أرشد المنهج الإسلامي إلى الأخذ بجميع أسباب القوة والتفوق؛ ليكون المسلمون أقوياء أعزاء، غير أذلاء في ذيل الأمم وهامش الحضارات، ولهذا فقد تحدث القرآن الكريم عن جميع أسباب القوة والتفوق وأرشد المسلمين إلى الأخذ بها؛ في كل المجالات مثل مجال الأمن الغذائي والاهتمام بالزراعة، [ ص: 69 ] وفي مجـال العمـران، والمجال العسكري، ومجال تنمية التجارة، ومجال الصناعة [1] .
وقد أشار القرآن الكريم إلى صناعات قام بها بعض الأنبياء كنوح، عليه السلام: ( ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ) (هود: 38)، وداود، عليه السلام: ( ولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد ) (سبأ: 10).
تلك هي الإرشادات التربوية في القرآن الكريم إلى الأخذ بجميع أسباب القوة والتفوق، ولقد امتثل الرعيل الأول من هذه الأمة هذه الإرشادات القرآنية نحو الأخذ بأسباب القوة، وطبقوا ذلك في الواقع العملي، فالأنبياء مثلا مارسوا أنواعا من الصناعات والحرف " فآدم كان حراثا، ونوح كان نجارا، وإدريس كان خياطا، وداود كان زرادا، وموسى كان راعيا، وإبراهيم كان زراعا، وصالح كان تاجرا" [2] .
والصحابة، رضوان الله عليهم، باشروا أيضا أنواعا من الحرف "فخباب كان حدادا، وسعد بن أبي وقاص كان صانع نبال، والزبير بن العوام كان خياطا، وسلمان الفارسي كان حلاقا" [3] . [ ص: 70 ]
ولما تخلى المسلمون عن تربيتهم الإسلامية أصابهم الضعف والذل، وصاروا الآن في ذيل القافلة، منقادين لتربيات وأفكار ونظريات غربية، فلا هم احتفظوا بإسلامهم كاملا، ولا هم حققوا الإنجاز والتفوق، الذي وصل إليه الغرب، بل أصابهم الانبهار والولع بالحضارة الغربية، فاقتبسوا القشور دون اللباب، ناهيك عن عدم التمييز في الاقتباس بين المباح وغير المباح، وبين الجائز وغير الجائز.