الباب الأول
ماهية السياق في التراث الإسلامي
كنا انتهينا في بحثنا السابق؛ "مفهوم السياق وأسس نظريته في التراث الإسلامي"، إلى تعريف السياق بأنه: "هو كل ما يمكن أن يؤثر في معنى خطاب معين"، ويتبين من هذا التعريف أنه دائر على مجرد "القابلية للتأثير" في معنى الخطاب لا على "تحقق التأثير"، فكل ما كان مؤثرا بـ"القوة" في معنى الخطاب فهو داخل في السياق، ولو لم يؤثر فيه بـ"الفعل".
ثم استقر الرأي بعد الدراسة والتمحيص اللازمين على أن: "حقيقة السياق تقوم على أربعة أركان؛ مقال يتضمن، ومقام يكتنف، ونسق يحتضن، وقرينة تقتضي". وفي كل ركن عناصر متعددة، وفروع متشعبة.. ويرتبط الجميع بنسيج محكم من العلاقات..
ثم إن تلك الأركان ليست على وزان واحد في الاستقلالية والتجرد؛ "فمنها القائم بذاته، والقائم بغيره، والقائم في غيره". فأما القائم بذاته فهو "المقال والمقام"، وأما القائم بغيره فهو "النسق" لضرورة استناده على مقام أو مقال، وأما القائم في غيره فهو "القرينة"، التي لا يمكن أن توجد خارج الأركان الأخرى.. وسنخصص لكل ركن من أركان السياق هذه فصلا مستقلا. [ ص: 41 ]