وأما ففي مال العبد إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال ففي ذمته يتبع به حتى يكون له مال في رقه أو بعد عتقه ، وليس على سيده فداؤه ، ولا بما قل ولا بما كثر ولا إسلامه في جنايته ولا بيعه فيها . جناية العبد على مال غيره
وكذلك - سواء ، الدين والجناية في كل ذلك سواء لقول الله تعالى : { جناية المدبر ، والمكاتب ، وأم الولد المأذون ، وغير المأذون ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } .
ولا يحل أن يؤخذ أحد بجريرة أحد ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } . إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام
وقال تعالى : { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } .
والعبد مال من مال سيده ، وكذلك ثمنه ، وكذلك سائر مال السيد ، فنسأل من خالفنا هاهنا ؟ بأي كتاب الله ، أم بأي سنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم استحللتم إباحة مال السيد لغيره [ ص: 458 ] ولم يجن شيئا ؟ ولعله صغير ، أو مجنون ، أو غائب في أرض بعيدة ، أو نائم ، أو في صلاة ، إن هذا لعجب عجيب ؟ قال : واحتج المخالفون بخبر رويناه من طريق أبو محمد مروان الفزاري عن دهثم بن قران اليمامي عن نمران بن جارية بن ظفر عن أبيه { أن مملوكا قطع يد رجل ثم لقي آخر فشجه فاختصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم العبد إلى المقطوع يده ، ثم أخذه منه فدفعه إلى المشجوج ، فصار له ورجع سيد العبد والمقطوع يده بلا شيء } .
قال : هذا لا يصح ; لأن أبو محمد دهثم بن قران ضعيف متفق من أهل النقل على ضعفه - ونمران مجهول ، فلم يجز القول به ، ولو صح لما سبقونا إلى الأخذ به ، وقد ادعى بعض من لا يبالي بالكذب على أهل الإسلام الإجماع على أن جناية العبد في رقبته ، وقد كذب هذا الجاهل وأفك ، ما جاء في هذا [ الخبر ] عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم في علمنا إلا ما نذكره إن شاء الله تعالى ، وما فاتنا - بحول الله تعالى - في ذلك شيء ثابت أصلا ، ولعله لم يفتنا أيضا معلول - : روينا من طريق نا ابن أبي شيبة - عن حفص هو ابن غياث - عن حجاج هو ابن أرطاة حصين الحارثي عن الشعبي عن - عن الحارث هو الأعور قال : ما جنى العبد ففي رقبته ، ويتخير مولاه إن شاء فداه وإن شاء دفعه . وهذه فضيحة علي ، الحجاج ، أحدهما كان يكفي . والحارث الأعور
وقد خالفوا في إسلامه الشاة إلى أولياء التي نطحت فغرقت في [ ص: 459 ] الفرات ، فما الذي جعل حكمه هنالك أولى من حكمه هاهنا لو صح عنه فكيف وهو باطل ؟ نعم ، وقد خالفوا علي بن أبي طالب في هذه القضية نفسها عليا يقول : ما جنى العبد من دم عمدا فليس في رقبته ، ولا يفديه سيده ، ولا يدفعه ، إنما هو القود ، أو العفو ، أو ما تصالحوا عليه . فأبو حنيفة يقول : جناية العبد في ماله إن كان له مال ، فإن لم يكن له مال فحينئذ يرجع إلى سيده - ومالك يقول : لا يلزم السيد أن يفدي عبده ، ولا أن يسلمه ، لكن يباع في جنايته فقط . والشافعي
وحديث عن مالك عن أبيه عن هشام بن عروة يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب أن رقيقا سرقوا ناقة لرجل من لحاطب مزينة فنحروها فبلغ ذلك فأمر عمر بن الخطاب كثير بن الصلت فقطع أيديهم ، ثم قال عمر : إني أراك تجيعهم لأغرمنك غرما يشق عليك ، ثم قال للمزني : كم ثمن ناقتك ؟ قال : أربعمائة درهم قال : فأعطه ثمانمائة درهم . لحاطب
وهم يخالفون في هذا . عمر
فليت شعري ما الذي جعل بعض حكمه في قضية واحدة حقا وبعضه في تلك القضية نفسها باطلا ، إن هذا لهو الضلال المبين .
ورواية من طريق نا وكيع عن ابن أبي ذئب عن أبيه عن محمد بن إبراهيم التيمي السلولي الأعور عن عن معاذ بن جبل قال : جناية المدبر على مولاه - وهذا باطل ; لأن أبي عبيدة السلولي الأعور لا يدرى من هو في خلق الله تعالى ؟ .
ثم قد خالفوا هذه الرواية يقول : لا يغرم عنه سيده ما جنى ، ولا يدفعه ، وإنما الحكم أن يستخدم في جنايته فقط . فمالك
وكذلك يقول أيضا فيما جنى في الأموال فإن كان ذلك إجماعا ، فهم أول من خالف الإجماع ، فمن أقل حياء ممن يجعل مثل هذا إجماعا ثم لا يرى صوابا فكيف سنة ؟ فكيف إجماعا ؟ دفعهم كلهم أموالهم أبو حنيفة بخيبر على نصف ما يخرج منها من زرع أو تمر إلى غير أجل ، لكن يقرونهم ما أقرهم الله ، ويخرجونهم إذا شاءوا مدة حياة [ ص: 460 ] النبي صلى الله عليه وسلم ثم مدة أبي بكر ثم مدة رضي الله عنهما لا أحد يخالف في ذلك ، فأي عجب أعجب من هذا ؟ عمر
ولا يرى أيضا آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع الحاضرين من أصحابه رضي الله عنهم ولم يخف ذلك عمن غاب منه بعد أن بدأ أبو بكر بالصلاة بهم صوابا ولا سنة ولا إجماعا .
قال : ثم هم مختلفون ، فقالت طائفة : لا يباع المأذون له في التجارة في ديته ، ولا يسلم ، ولا يفديه سيده ، وأما غير المأذون فهو الذي يباع ، أو يسلم ، أو يفدى . أبو محمد
وقالت طائفة : لا يباع المأذون ، ولا غير المأذون في دين ، ولا يسلم ولا يفدى ، وأما جنايتهما فيباعان فيهما ، أو يسلمان أو يفديان .
وقالت طائفة : المأذون وغير المأذون سواء ، والدين والجناية سواء ، كلاهما يباع في كل ذلك ، أو يسلمه سيده أو يفديه .
فهذه أقوال كما ترونها ما نحتاج في ردها إلى أكثر من إيرادها ; لأن كل طائفة تخطئ الأخرى ، وتبطل قولها وكلها باطل .
وقال ، وأصحابه : إن قتل العبد حرا فليس إلا القود أو العفو ، وهو لسيده كما كان ، إن عفا عنه - وكذلك المدبر وأم الولد . أبو حنيفة
قالوا : فإن قتل العبد حرا أو عبدا خطأ ، أو جنى على ما دون النفس من حر أو عبد عمدا أو خطأ - قلت الجناية أو كثرت - كلف سيده أن يدفعه إلى المجني عليه ، أو إلى وليه - كثر المجني عليهم أم قلوا - أو يفديه بجميع أروش الجنايات .
قالوا : فإن جنى في مال فليس عليه ولا على السيد إلا أن يباع في جنايته فإن وفى ثمنه بالجنايات فذلك ، وإن لم يف بها فلا شيء على السيد ، ولا على العبد ، وإن فضل فضل كان للسيد .
قالوا : فإن جنى المدبر فقتل خطأ ، أو جنى فيما دون النفس ، فعلى سيده الأقل من قيمته أو أرش الجناية ، أو الدية ليس عليه غير ذلك ، إلا أن تكون قيمة الجناية عشرة [ ص: 461 ] آلاف درهم فصاعدا ، فلا يلزم السيد إلا عشرة آلاف غير عشرة دراهم ، فإن قتل آخر خطأ فلا شيء على السيد ، لكن يرجع كل من جنى عليه بعد ذلك على المجني عليه أولا فيشاركه فيما أخذ ، وهكذا أبدا .
وهكذا أم الولد في جنايتها في قتل الخطأ وما دون النفس .
وقال : فإن جنى المدبر ، وأم الولد على مال فعليهما السعي في قيمة ما جنيا ولا شيء على سيد أم الولد . أبو حنيفة
قال : هذا الفصل موافق لقولنا ، وكذلك ينبغي أن تكون سائر جناياتهما ، وجنايات العبيد ولا فرق ، وهذه تفاريق لا تحفظ عن أحد قبل أبو محمد ، ولو ادعى مدع في هذه التخاليط خلاف الإجماع لما بعد عن الصدق . أبي حنيفة
وقالوا : إن جنى المكاتب فقتل خطأ ، أو فيما دون النفس ، فعليه أن يسعى في الأقل من قيمته أو من أرش الجناية ، ولا شيء عليه غير ذلك فإن جنى في مال : سعى في قيمته بالغة ما بلغت .
وقال : جناية العبد في الدماء والأموال سواء ، فإن كان للعبد مال فكل ذلك في ماله ، فإن لم يكن له مال فسيده مخير بين أن يفديه بأرش الجناية أو بقدر المال أو يدفعه ، فإن جنى المدبر كذلك ففي ماله ، فإن لم يف استخدم في الباقي ، فإن جنت أم الولد فعلى سيدها أن يفديها بالأقل من قيمتها أو من أرش الجناية فقط ، ثم كلما جنت كان عليه أن يفديها كذلك ، فإن جنى المكاتب كذلك كلف أن يؤدي أرش ما جنى ، فإن عجز أو أبى رق وعاد إلى حكم العبيد . مالك
وهذه تفاريق لا تحفظ أيضا عن أحد من الناس قبله ، ولو ادعى مدع خلاف الإجماع عليها لما بعد عن الصدق إلا قوله : إن الجنايات في مال العبد والمدبر ، فهو صحيح لو لم يتبعه بما ذكرنا .
وقال : كل ما جنى المدبر ، والعبد من دم ، أو في مال أو ما دون النفس فإنما يلزم السيد بيعه فيها فقط ، فإن وفى فذلك فإن فضل فضل فللسيد ، وإن لم يف فلا شيء عليه ولا على العبد غير ذلك ، وليس عليه أن يسلمه ولا أن يفديه . [ ص: 462 ] فإن جنت أم الولد فداها سيدها بالأقل من قيمتها ومن أرش الجناية - فإن جنت ثانية فقولان - : أحدهما : يفديها أيضا ، وهكذا أبدا . الشافعي
والثاني : يرجع الآخر على الذي قبله فيشاركه فيما أخذ ولا شيء على السيد - وهذا أيضا قول لا يحفظ عن أحد قبله .
وكل هذه الأقوال ليس على صحة شيء منها دليل لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا من رواية فاسدة ، ولا من قول صاحب ، ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه ، وما كان هكذا فلا يجوز القول به .
فإن موهوا بأن العبد لا مال له ، ولا يملك شيئا ؟ قلنا : هذا باطل ، بل يملك كما يملك الحر ، ولكن هبكم الآن أنه لا يملك كما تدعون عدوه فقيرا ، وأتبعوه به إذا ملك يوما ما كما يتبع الفقير سواء بسواء ، ولا فرق .
والله تعالى يقول : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله } فقد وعدهم الله أو من شاء منهم بالغنى ، فانتظروا بهم ذلك الغنى ، فكيف والبراهين على صحة ملك العبد ظاهرة ؟ روينا من طريق عن عبد الرزاق عن ابن جريج عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه أن قال : ويقاد للمملوك من المملوك في كل عمد يبلغ نفسه فما دون ذلك من الجراح ، فإن اصطلحوا على العقل فقيمة المقتول على مال القاتل أو الجارح . عمر بن الخطاب
قال : هذا قولنا ولله تعالى الحمد ، وبيان [ هذا ] أن أبو محمد يرى العبد مالكا . عمر بن الخطاب
ومن طريق عن حماد بن زيد قال أخذ عبد أسود آبق قد عدا على رجل فشجه ليذهب برقبته ، فرفع ذلك إلى يحيى بن سعيد الأنصاري فلم ير له شيئا . عمر بن عبد العزيز
وهذا قولنا : وقد جاء هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق أبي داود نا نا أحمد بن حنبل معاذ بن هشام الدستوائي حدثني أبي عن عن قتادة عن أبي نضرة [ ص: 463 ] { عمران بن الحصين } ؟ قال أن غلاما لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء فأتى أهله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله إنا أناس فقراء ؟ فلم يجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه شيئا . : لم يسلمه ولا باعه ولا ألزمه مالا يملكه ولا ألزم ساداته فداءه - وهذا قولنا - والحمد لله رب العالمين . أبو محمد
تم " كتاب الغصب والاستحقاق والجنايات على الأموال " .