ومن طريق أنا يحيى بن سعيد القطان صدقة بن المثنى أنا جدي - هو رباح بن الحارث أن قال في المسجد الأكبر : العبد خير من العبدين والأمة خير من الأمتين ، والبعير خير من البعيرين ، والثوب خير من الثوبين ، فما كان يدا بيد فلا بأس به ، إنما الربا في النساء إلا ما كيل أو وزن . عمار بن ياسر
قال : وزاد بعضهم في هذا الخبر : فلا يباع صنف منه بالصنف الآخر [ ص: 425 ] إلا مثلا بمثل - ومن طريق أبو محمد أنا ابن أبي شيبة عبد الأعلى عن عن معمر الزهري عن سالم أن كان لا يرى بأسا فيما يكال يدا بيد واحدا باثنين إذا اختلفت ألوانه . ابن عمر
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر عن حماد بن أبي سليمان وعن رجل عن النخعي الحسن ، قالا جميعا : سلف ما يكال فيما يوزن ولا يكال ، وسلف ما يوزن ولا يكال فيما يكال ولا يوزن .
ومن طريق عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن موسى بن أبي عائشة قال : ما كان من بيع يكال مثلا بمثل ، فإذا اختلفت فزد وازدد يدا بيد ، وإن كان شيئا واحدا يوزن فمثلا بمثل ، فإذا اختلف فزد وازدد يدا بيد . إبراهيم النخعي
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر الزهري قال : كل شيء يوزن فهو يجري مجرى الذهب والفضة ، وكل شيء يكال فهو يجري مجرى البر والشعير .
فأما الرواية عن فمنقطعة ، وعن معمر الحسن كذلك .
وأما قول : فغير موافق لقولهم ، لكنهم موهوا به ; لأنه لا يخلو قوله : إلا ما كيل أو وزن من أن يكون استثناه من النساء الذي هو ربا ، أو يكون استثناه مما قال : إنه لا بأس به ما كان يدا بيد ، ولا سبيل إلى وجه ثالث ، فإن كان استثناه من النساء الذي هو ربا ، فهو ضد مذهبهم عينا ، وموجب أنه لا ربا إلا فيما يكال أو يوزن في النسيئة ، فإن كان استثناه مما لا بأس به يدا بيد ، فهو أيضا ضد مذهبهم وموجب : أنه لا يجوز ما كيل بما وزن يدا بيد . عمار
وأما الزيادة التي زادوها فلا يباع صنف منه بالصنف الآخر إلا مثلا بمثل فهو ضد مذهبهم عيانا بكل حال .
وأما قول فصحيح عنه ، وقد صح عنه خلافه كما ذكرنا في ذكرنا قول ابن عمر ، فليس أحد قوليه بأولى من الآخر ، مع أنه ليس فيه كراهية التفاضل فيما يكال ، ولا يوافقه سائر أقوالهم ، وما وجدنا قولهم يصح عن أحد قبلهم إلا عن الشافعي ، النخعي والزهري فقط - فبطل كل ما موهوا به من الآثار .
فإن قالوا : لم ينص عليه السلام إلا على مكيل ، وموزون ؟
قلنا : ما الفرق بين هذا وبين من قال : لم ينص عليه السلام إلا على مأكول أو [ ص: 426 ] ثمن - أو من قال : لم ينص عليه السلام إلا على مقتات مدخر ، ومعدني ؟ وما يصلح به الطعام .
أو من قال : لم ينص عليه السلام إلا على ما يزكى وعلى مالح الطعم فقط - أو من قال : لم ينص عليه السلام إلا على نبات ، ومعدني ، وجامد ؟ فأدخل الربا في كل ما ينبت كالصبر وغير ذلك ، وأسقطه عن اللبن وما يتصرف منه ، وعن العسل ، واللحم ، والسمك ، فليس بعض هذه الدعاوى أولى من بعض .
وكل هذا إذا تعدى به ما ورد فيه النص فهو تعد لحدود الله تعالى ، وما عجز رسول الله صلى الله عليه وسلم قط عن أن يبين لنا مراده ، وحاش له أن يكلنا في أصعب الأشياء من الربا المتوعد فيه بنار جهنم في الآخرة والحرب به في الدنيا إلى هذه الكهانات الكاذبة ، والظنون الآفكة ، ظلمات بعضها فوق بعض - ونحمد الله على السلامة .
وعهدنا بهم يقولون : نحن على يقين من وجوب قطع اليد في عشرة دراهم ; وغير موقنين بوجوب قطعها في أقل ، ونحن موقنون بتحريم عصير العنب إذا أسكر ولم نوقن بتحريم ما عداه - ونحن موقنون بالقصر في ثلاث ولا نوقن به في أقل ، فلا نقول بشيء من ذلك حيث لا نوقنه .
فهلا قالوا ههنا : نحن موقنون بالربا في الأصناف المنصوص عليها ، ولسنا على يقين منه في غيرها ، فلا نقول به حيث لا يقين معنا فيه ؟
ولو فعلوا هذا ههنا وتركوا هنالك لوفقوا لأنهم كانوا يتبعون السنن - وبالله تعالى التوفيق - ثم لم يلبثوا أن نقضوا علتهم أقبح نقض ، فأجازوا تسليف الذهب ، والفضة فيما يكال ، وما يوزن .
وأجازوا ، ولم يجيزوا ذلك في آنية الذهب ، والفضة ، وكل ذلك سواء عندهم في دخول الربا فيه . بيع آنية نحاس بآنية نحاس أو وزن منها
ثم أجازوا ، أو تمر بعينه بتمر بغير عينه أو شعير بعينه بشعير بغير عينه ، فيقبض الذي بغير عينه ثم يفترقان قبل قبض الذي بعينه - وحرموا ذلك في ذهب بعينه بذهب بغير عينه ، وفي فضة بعينها بفضة بغير عينها ، ولا فرق بين [ ص: 427 ] شيء من ذلك ، لا في نص ، ولا في معقول ، فأباحوا الربا جهارا - ونعوذ بالله من الخذلان - فبطلت علة هؤلاء ، وبطل قولهم يقينا . بيع قمح بعينه بقمح بغير عينه