1492 [ ص: 451 ] مسألة :
ومن كان له عند آخر دنانير ، أو دراهم ، أو قمح ، أو شعير ، أو ملح ، أو تمر ، أو غير ذلك ، مما لا يقع فيه الربا أي شيء كان لا تحاش شيئا إما من بيع ، إما من قرض ، أو من سلم ، أو من أي وجه كان ذلك له عنده حالا كان أو غير حال فلا يحل له أن يأخذ منه شيئا من غير ماله عنده أصلا .
فإن وأكل مال بالباطل . أخذ دنانير عن دراهم ، أو دراهم عن دنانير ، أو شعيرا عن بر ، أو دراهم عن عرض ، أو نوعا عن نوع لا تحاش شيئا : فهو فيما يقع فيه الربا ربا محض ، وفيما لا يقع في الربا حرام بحت
وكل ذلك مفسوخ مردود أبدا محكوم فيه بحكم الغصب ، إلا أن لا يقدر على الانتصاف ألبتة فيأخذ ما أمكنه ، مما يحل ملكه ، لا تحاش شيئا ، بمقدار حقه ، ولا مزيد ، فهذا حلال له .
برهان ذلك : ما ذكرنا قبل من تحريم النبي صلى الله عليه وسلم الذهب ، والفضة ، والبر ، والتمر ، والشعير ، والملح إلا مثلا بمثل عينا بعين ، ثم قال عليه السلام : { } فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد
والعمل الذي وصفنا ليس يدا بيد ، بل أحدهما غائب ولعله لم يخرج من معدنه بعد ، فهو محرم بنص كلامه عليه السلام .
وأيضا : فروينا من طريق أنا مسلم محمد بن رمح أنا عن الليث بن سعد أنه سمع { نافع يقول : أبصرت عيناي وسمعت أذناي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا تبيعوا الورق بالورق ، إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضه على بعض ، ولا تبيعوا شيئا غائبا منه بناجز ، إلا يدا بيد أبا سعيد الخدري }
ومن طريق أنا البخاري حفص بن عمر هو الحوضي أنا أخبرني شعبة قال : سمعت حبيب بن أبي ثابت أبا المنهال قال : سألت ، البراء بن عازب ، عن الصرف ؟ فكلاهما يقول : { وزيد بن أرقم } [ ص: 452 ] نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا
وذهب ، مالك ، وأبو حنيفة في أحد قوليه ، وأصحابنا ، إلى جواز أخذ الذهب من الورق ، والورق من الذهب واحتجوا في ذلك : بما رويناه من طريق والشافعي أنا قاسم بن أصبغ جعفر بن محمد أنا أنا عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة سماك بن حرب عن عن { سعيد بن جبير قال : قلت : يا رسول الله أبيع الإبل بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير ، وآخذ هذه من هذه ؟ فقال : لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ابن عمر }
قال أبو محمد : وهذا خبر لا حجة فيه ، لوجوه : أحدها - أن سماك بن حرب ضعيف يقبل التلقين شهد عليه بذلك وأنه كان يقول له : حدثك فلان عن فلان ؟ فيقول : نعم ، فيم سئل عنه . شعبة
وثانيها - أنه قد جاء هذا الخبر بهذا السند ببيان غير ما ذكروا كما روينا من طريق أحمد بن شعيب أنا أنا قتيبة عن أبو الأحوص سماك بن حرب عن عن { سعيد بن جبير قال : كنت أبيع الذهب بالفضة أو الفضة بالذهب ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك ؟ فقال : إذا بايعت صاحبك فلا تفارقه وبينك وبينه لبس ابن عمر } وهذا معنى صحيح ، وهو كله خبر واحد .
وثالثها - أنه لو صح لهم كما يريدون لكانوا مخالفين له ; لأن فيه اشتراط أخذها بسعر يومها ، وهم يجيزون أخذها بغير سعر يومها ، فقد اطرحوا ما يحتجون به .
ومما يبطل قولهم ههنا أنه قد صح النهي عن بيع الغرر ، وهذا أعظم ما يكون من الغرر ; لأنه بيع شيء لا يدري أخلق بعد أم لم يخلق ؟ ولا أي شيء هو ؟ والبيع لا يجوز إلا في عين معينة بمثلها ، وإلا فهو بيع غرر ، وأكل مال بالباطل ، والسلم لا يجوز إلا إلى أجل : فبطل أن يكون هذا العمل بيعا أو سلما فهو أكل مال بالباطل .
وأيضا فإن هذا الخبر إنما جاء في البيع ، فمن أين أجازوه في القرض ؟ وقد فرق بعض القائلين به بين القرض في البيع في ذلك واحتجوا من فعل السلف في [ ص: 453 ] ذلك : بما روينا من طريق أنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد الشعبي عن سعيد مولى الحسن ، قال : أتيت أتقاضاه ؟ فقال لي : إذا خرج خازننا أعطيناك ، فلما خرج بعثه معي إلى السوق وقال : إذا قامت على ثمن فإن شاء أخذها بقيمتها أخذها : ومن طريق ابن عمر الحجاج بن المنهال أنا أبو عوانة أنا إسماعيل السدي عن عبد الله البهي عن يسار بن نمير قال : كان لي على رجل دراهم فعرض علي دنانير فقلت : لا آخذها حتى أسأل فسألته ؟ فقال : ائت بها الصيارفة فأعرضها ، فإذا قامت على سعر ، فإن شئت فخذها ، وإن شئت فخذ مثل دراهمك وصحت إباحة ذلك عن عمر الحسن البصري والحكم وحماد ، باختلاف عنه ، وسعيد بن جبير وطاوس والزهري ، ، وقتادة والقاسم بن محمد واختلف فيه عن ، إبراهيم وعطاء
قال أبو محمد : وروينا المنع من ذلك عن طائفة من السلف : روينا من طريق عن مالك عن نافع قال : إن ابن عمر قال : لا تبيعوا الذهب بالورق أحدهما غائب والآخر ناجز هذا صحيح . عمر بن الخطاب
ومن طريق عن وكيع عبد الله بن عوف عن عن ابن سيرين أنه كان يكره عبد الله بن مسعود . اقتضاء الذهب من الورق ، والورق من الذهب
ومن طريق أنا سعيد بن منصور أنا هشيم عن الشيباني هو أبو إسحاق عكرمة عن : أنه كره اقتضاء الذهب من الورق من الذهب وهذا صحيح . ابن عباس
ومن طريق عن سفيان بن عيينة سعد بن كدام قال : حلف لي معن هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود أنه وجد في كتاب أبيه بخطه قال : معاذ الله أن نأخذ دراهم مكان دنانير أو دنانير مكان دراهم . عبد الله بن مسعود
ومن طريق أنا عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار أخبرني أبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم أن قال له : نهانا أمير المؤمنين يعني أباه أن نبيع الدين بالعين وهذا في غاية الصحة . [ ص: 454 ] عبد الله بن عمر
ومن طريق أنا حماد بن زيد عن أيوب السختياني : أن محمد بن سيرين زينب امرأة ابن مسعود باعت جارية لها إما بذهب وإما بفضة فعرض عليها النوع الآخر فسئل ؟ فقال : لتأخذ النوع الذي باعت به . عمر
ومن طريق أنا سعيد بن منصور عن خالد بن عبد الله هو الطحان عن الشيباني هو أبو إسحاق عن محمد بن زيد فيمن باع طعاما بدراهم ، أيأخذ بالدراهم طعاما ؟ فقال : لا ، حتى تقبض دراهمك ولم يقل ابن عمر بإباحة ذلك في غير الطعام . ابن عمر
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن زيد فيمن أقرض دراهم أيأخذ بثمنها طعاما ؟ فكرهه ابن عمر
ومن طريق أنا محمد بن المثنى أنا مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي أنه كره اقتضاء الدنانير من الدراهم ، والدراهم من الدنانير ، ومن طريق إبراهيم النخعي أحمد بن شعيب أنا محمد بن بشار أنا أنا وكيع موسى بن نافع عن أنه كره أن يأخذ الدنانير من الدراهم والدراهم من الدنانير سعيد بن جبير
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة ابن علية عن عن يونس وهو ابن عبيد ، قال : قال لي أنس بن سيرين : لا تأخذ الذهب من الورق يكون لك على الرجل ولا تأخذن الورق من الذهب أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة وكيع بن علي بن المبارك عن عن يحيى هو ابن أبي كثير أبي سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف أنه كره أن يكون لك عند آخر قرض دراهم فتأخذ منه دنانير .
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن هشام بن حسان فيمن كانت له على آخر دراهم فأخذ منها ثم أراد أن يأخذ بقيمتها دنانير فكرهه [ ص: 455 ] محمد بن سيرين
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة مروان بن معاوية هو الفزاري عن موسى بن عبيدة أخبرني عطاء مولى عمر بن عبد العزيز أنه ابتاع من ناقة بأربعة دنانير فجاء يلتمس حقه ؟ فقلت : عندي دراهم ليس عندي دنانير ؟ فقال : حتى أستأمر برد مولى سعيد بن المسيب فاستأمره ؟ فقال له سعيد بن المسيب : خذ منه دنانير عينا ، فإن أبى فموعده الله ، دعه . سعيد
ومن طريق أنا ابن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد القطان ابن حرملة قال : بعت جزورا بدراهم إلى الحصاد ، فلما حل قضوني حنطة ، وشعيرا ، وسلتا ، فسألت ؟ فقال : لا يصلح ، لا تأخذ إلا الدراهم . سعيد بن المسيب
فهؤلاء : ، عمر ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وابن عمر والنخعي
، وسعيد بن جبير ، وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وابن سيرين وابن المسيب
وهذا مما تركوا فيه القرآن في تحريمه أكل المال بالباطل لخبر ساقط مضطرب وقولنا هو أحد قولي ، وقول الشافعي ابن شبرمة
وأما إذا لم يقدر على الانتصاف فقد قال تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها }
قال تعالى : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم }
فهذا عموم لكل ما أمكن الممنوع حقه أن ينتصف به ، أو بأن يوكل غريمه على بيع ماله عنده ، وبأن يبتاع له ما يريد : فهذا جائز وبالله تعالى التوفيق .