1552 - مسألة : ، حلال لغير ضرورة ، ولغير دين لا كراهة في شيء من ذلك . وبيع المدبر ، والمدبرة
ويبطل التدبير بالبيع ، كما تبطل الوصية ببيع الموصى بعتقه ولا فرق - وهو قول ، الشافعي . وأبي سليمان
[ ص: 530 ] وقال : يباع المدبر - كما قلنا - ولا تباع المدبرة - . أحمد
وهذا تفريق لا برهان على صحته ، وقال : لا يباع المدبر ولا المدبرة إلا في الدين فقط ، فإن كان الدين قبل التدبير بيعا فيه في حياة سيدهما ، وإن كان الدين بعد التدبير لم يباعا فيه في حياة المدبر ، وبيعا فيه بعد موته ، فإن لم يحمل الثلث المدبر ، ولا دين هنالك : أعتق منه ما يحمل الثلث ورق سائره . مالك
قال : فإن بيع في الحياة بغير دين فأعتقه الذي اشتراه نفذ البيع وجاز .
وهذه أقوال في غاية التناقض ، ولئن كان بيعه حراما فما يحل بيعه لا في دين ولا في غيره - أعتق أو لم يعتق - كما ولا ينفذ بيعها - وإن أعتقت - ولئن كان بيعه حلالا فما يحرم متى شاء سيده بيعه . لا تباع أم الولد
وما نعلم لهم في هذا التقسيم حجة لا من نص ، ولا من رواية سقيمة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه .
وقال : لا يباع المدبر - لا في دين ولا في غير دين لا في الحياة ولا بعد الموت - : وهو من الثلث ، فإن لم يحمله الثلث استسعى في ثلثي قيمته وقال أبو حنيفة : هو من رأس المال كأم الولد ، وما نعلم لهم حجة أصلا ، ولا متعلق لهم في قول الله تعالى : { زفر أوفوا بالعقود } .
أما المالكيون فأجازوا بيعه في مواضع قد ذكرناها فلم يفوا بالعقود .
وأما الحنفيون فاستسعوه في ثلثي قيمته فلم يفوا بالعقود .
قال : واحتجوا بأشياء نذكرها إن شاء الله - تعالى - : منها : خبر رواه أبو محمد عبد الباقي بن قانع عن موسى بن زكريا عن عن علي بن حرب عمرو بن عبد الجبار ثقة عن عمه عبيدة بن حسان عن أيوب عن عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم : { ابن عمر } . المدبر لا يباع ولا يشترى وهو حر من الثلث
[ ص: 531 ] وهذا خبر موضوع ; لأن عبد الباقي راوي كل بلية ، وقد ترك حديثه ، إذ ظهر فيه البلاء .
ثم سائر من رواه إلى أيوب ظلمات بعضها فوق بعض ، كلهم مجهولون ، وعمرو بن عبد الجبار إن كان هو السنجاري فهو ضعيف وإن كان غيره فهو مجهول - ثم لو صح لكان المالكيون قد خالفوه .
وقد أجاز الحنفيون بيع المدبر في بعض الأحوال ، وهو أنهم قالوا في : فإن على الذي دبر نصيبه أن يضمن قيمة نصيب صاحبه الذي أعتق حصته - وهذا بيع للمدبر - فقد خالفوا هذا الخبر الموضوع مع احتجاجهم به . عبد بين اثنين دبره أحدهما ثم أعتق الآخر نصيبه
وإن العجب ليكثر ممن يرد حديث بيع المكاتب ، وحديث المصراة ، وحديث النهي عن بيع الكلب ، مع صحة أسانيدها وانتشارها ثم يحتج بهذه الكذبة .
وذكروا ما روينا من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين { } وهذا مرسل ، ولا حجة في مرسل - ثم لو صح لكان حجة على الحنفيين والمالكيين ، أنهم لا يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع خدمة المدبر : ما لهم أثر غير ما ذكرنا . بيع خدمة المدبر
واحتجوا برواية عن عن نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن ابن جريج أنه سمع أبي الزبير يقول في أولاد المدبرة : إذا مات سيدها ما نراهم إلا أحرارا ، وولدها كذلك منها فكأنه عضو منها . جابر بن عبد الله
[ ص: 532 ] ومن طريق عن ابن وهب عبد الجبار بن عمر عن ابن شهاب ، وربيعة ، قالا جميعا : إن عائشة أم المؤمنين باعت مدبرة لها في الأعراب ، فأخبر بذلك فبعث في طلب الجارية فلم يجدها ، فأرسل إلى عمر عائشة فأخذ الثمن فاشترى به جارية فجعلها مكانها على تدبيرها .
ومن طريق أنا وكيع عن حماد بن زيد أيوب عن عن نافع أنه كره بيع المدبر - هذا كل ما موهوا به عن الصحابة رضي الله عنهم ، وكله لا حجة لهم فيه . ابن عمر
أما خبر : فساقط ; لأن عمر الزهري ، وربيعة ، لم يولدا إلا بعد موت بخمس وثلاثين سنة وزيادة ، فهو منقطع - . عمر
وأيضا : ففيه عبد الجبار بن عمر وهو ضعيف .
ثم لو صح لكان هذا عليهم لا لهم لوجوه - : أولها - أن أم المؤمنين قد خالفته في ذلك ، فليس قوله حجة عليها ، ولا أولى من قولها ، وهذا تنازع ، فالواجب عند التنازع الرد إلى القرآن ، والسنة ، وهما يبيحان بيع المدبر .
والثاني -
أنهم قد خالفوه ; لأن فيه أنه قد أخذ الثمن فابتاع به جارية فجعلها مدبرة مكانها ، ويعيذ الله أمير المؤمنين من هذا الحكم الفاسد ، الظاهر العوار ، إذ يحرم بيع مملوكة من أجل مملوكة أخرى بيعت لا يحل بيعها .
ويلزم على هذا من أن يبتاع بالثمن عبدا فيعتقه مكانه ، وهذا خلاف قول الله - تعالى - : { باع حرا ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى } .
وكيف إن ذهب الثمن أو لم توجد به رقبة أو وجدت به رقاب أو وجدت المبيعة بعد أن جعلت هذه الأخرى مدبرة مكانها ، ولعل هذه تموت مملوكة ، فكيف العمل ؟ أو لعلها تعيش وتموت المبيعة مملوكة فكيف العمل في هذا التخليط ؟ حاشا لله من هذا - فبطل تعلقهم بقول . عمر
وأما خبر : فلا متعلق لهم فيه أصلا ، وإنما هو تمويه منهم مجرد ; لأنه ليس فيه المنع من بيع المدبرة أصلا ، وإنما فيه حكم ولدها إن عتقت هي فقط . جابر
ولو كان لهم حياء ما موهوا في الدين بمثل هذا ، فكيف وقد جاء عن خلاف قولهم ؟ [ ص: 533 ] كما روينا من طريق جابر عن ابن وهب عن عبيد الله بن عمر عن نافع أنه كان يقول : ابن عمر بمنزلتها يرقون برقها ، ويعتقون بعتقها . ولد المدبرة
وذكر عن رجال من أهل العلم عن ابن وهب ، عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت ، وغيرهم ، مثل قول وجابر بن عبد الله - فهذا ابن عمر يرى إرقاق المدبرة ، فإن قيل : هذا مرسل ؟ قلنا : بالمرسل احتججتم علينا فخذوه أو فلا تحتجوا به . جابر
وأما حديث فإنما فيه الكراهة فقط - وقد صح عن ابن عمر بيان جواز بيع المدبرة ، كما روينا بأصح سند من طريق ابن عمر عن مالك عن نافع أنه كان يقول : لا يطأ الرجل وليدة إلا وليدة : إن شاء باعها ، وإن شاء وهبها ، وإن شاء صنع بها ما شاء . ابن عمر
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع : أنه دبر جاريتين له ، فكان يطؤهما حتى ولدت إحداهما فهذا نص جلي من ابن عمر على جواز بيع المدبرة . ابن عمر
فإن ادعوا إجماعا على جواز وطئها ؟ كذبوا ; لما روينا من طريق عن عبد الرزاق عن معمر الزهري : أنه كان يكره أن يطأ الرجل مدبرته ، قال : فقلت له : لم تكرهه ؟ فقال : لقول معمر : لا تقربها وفيها شرط لأحد . عمر
فظهر فساد ما تعلقوا به عن الصحابة رضي الله عنهم ، وأنه ليس لهم حجة في شيء جاء عنهم ، وموهوا من طريق النظر بأن قالوا : لما فرق بين اسم المدبر ، واسم الموصى بعتقه ، وجب أن يفرق بين حكميهما .
قال : وهذا باطل ; لأنه دعوى بلا برهان ، وليس كل اسمين اختلفا وجب أن يختلف معناهما وحكمهما إذا وجدا في اللغة متفقي المعنى : فإن " المحرر ، والمعتق " اسمان مختلفان ومعناهما واحد ، " والزكاة ، والصدقة " كذلك ، " والزواج ، والنكاح " كذلك ، وهذا كثير جدا . أبو محمد
وحتى لو صح لهم هذا الحكم الفاسد لكان الواجب إذا جاء فيهما نص أن يوقف عنده - وأيضا فليس في اختلاف الاسمين ما يوجب أن يباع أحدهما ولا يباع الآخر ، وقد اختلف اسم : الفرس ، والعبد ، وكلاهما يباع .
[ ص: 534 ] قال : فلم يبق لهم متعلق أصلا - ومن البرهان على جواز بيع المدبر والمدبرة : قول الله - تعالى - : { علي وأحل الله البيع } .
وقوله تعالى : { وقد فصل لكم ما حرم عليكم } .
فصح أن بيع كل متملك جائز إلا ما فصل لنا تحريم بيعه ، ولم يفصل لنا تحريم بيع المدبر ، والمدبرة ، فبيعهما حلال .
ومن السنة : ما روينا من طريق أنا وكيع ، سفيان الثوري ، كلاهما عن وإسماعيل بن أبي خالد عن سلمة بن كهيل عن عطاء بن أبي رباح { جابر بن عبد الله } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باع المدبر
ومن طريق عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار أنه سمع يقول : { جابر بن عبد الله بني عدي بن كعب ، قال : غلام قبطيا مات عام أول في إمارة جابر ابن الزبير } . دبر رجل من الأنصار غلاما له لم يكن له مال غيره ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من يبتاعه مني ؟ فاشتراه رجل من
ورويناه أيضا من طريق ، الليث وأيوب عن أنه سمعه من أبي الزبير - : فهذا أثر مشهور مقطوع بصحته بنقل التواتر ، وأمر كان بحضرة الصحابة رضي الله عنهم كلهم مسلم راض ، فلو ادعى المسلم ههنا الإجماع لما أبعد ، لا كدعاويهم الكاذبة ؟ فقال بعض أهل الكذب : بيع في دين ، وإلا فلأي وجه بيع ؟ فقلنا : كذبتم وأفكتم ، وإنما بيع ; لأنه لم يكن لمدبره مال غيره ، فلهذا باعه النبي صلى الله عليه وسلم . جابر
وأما لو كان له مال غيره فبيعه مباح لا واجب كسائر من تملك .
ومن طريق النظر أنه صح الإجماع على جواز بيع المدبر قبل أن يدبر ، فمن منع منه بعد أن يدبر فقد أبطل وادعى ما لا برهان له به .
ومن طريق القياس الذي لو صح القياس لم يكن شيء أصح من هذا ، وهو أن المعتق بصفة لا يدري أيدركها المعتق بها أم لا ؟ والموصى بعتقه : لا يختلفون في جواز بيعه قبل مجيء تلك الصفة ، والمدبر موصى بعتقه ، كلاهما من الثلث فواجب إن صح [ ص: 535 ] القياس أن يباع المدبر كما يباع الآخران ، ولكن لا النصوص يتبعون ، ولا القياس يحسنون .
وممن صح عنه بيع المدبر ما روينا من طريق عن عبد الرزاق عن سفيان بن عيينة عن جدته يحيى بن سعيد الأنصاري عمرة بنت عبد الرحمن : أن عائشة أم المؤمنين ، باعت مدبرة لها .
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني ، عمر بن عبد العزيز ، قالا جميعا : المدبر وصية . ومحمد بن سيرين
وبه إلى عن معمر ، قال : سألني عبد الله بن طاوس عن المدبر كيف كان قول أبي فيه ، أيبيعه صاحبه ؟ فقلت : كان أبي يقول : يبيعه إن احتاج فقال محمد بن المنكدر ابن المنكدر : وإن لم يحتج .
ومن طريق عن عبد الرزاق أخبرني ابن جريج عمرو بن دينار قال : كان لا يرى بأسا أن طاوس - قال يعود الرجل في عتاقته عمرو : يعني التدبير .
ومن طريق عن سفيان بن عيينة ابن أبي نجيح عن قال : المدبر وصية يرجع فيه إذا شاء . مجاهد
ومن طريق عن عبد الرزاق سمعت ابن جريج يقول : يعاد في المدبر ، وفي كل وصية - وقد روينا عن عطاء ، ابن سيرين : كراهية بيع المدبر ، وعن وعطاء الشعبي يبيعه الجريء ، ويرع عنه الورع .
قال : بل يبيعه الورع اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ويقف عنه الجاهل ، وتالله ما تخاف تبعة من الله - تعالى - في أمر لم يفصل لنا تحريمه في كتابه ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بل نخاف التبعة منه - عز وجل - في تحريمنا ما لم يفصل لنا تحريمه ، أو في توقفنا فيه خوف أن يكون حراما - ونعوذ بالله - تعالى - من هذا . أبو محمد
قال - تعالى - : { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } .
وبيع المدبر مما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن كان مؤمنا فلا يجد في نفسه حرجا مما قضى فيه - وبالله - تعالى - التوفيق .