1825 - مسألة : - إلا بإذن وليها الأب ، أو الإخوة ، أو الجد ، أو الأعمام ، أو بني الأعمام - وإن بعدوا - والأقرب فالأقرب أولى . ولا يحل للمرأة نكاح - ثيبا كانت أو بكرا
وليس إلا إن كان ابن عمها ، لا يكون في القوم أقرب إليها منه - ومعنى ذلك - : أن يأذن لها في الزواج ، فإن أبى أولياؤها من الإذن لها : زوجها السلطان . ولد المرأة وليا لها
برهان ذلك - : قول الله عز جل : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من [ ص: 26 ] عبادكم وإمائكم } وقوله تعالى : { ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } وهذا خطاب للأولياء لا للنساء .
وروينا من طريق نا ابن وهب عن ابن جريج عن سليمان بن موسى ابن شهاب عن عن عروة بن الزبير رضي الله عنها - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : { عائشة أم المؤمنين - } . لا تنكح المرأة بغير وليها فإن نكحت فنكاحها باطل - ثلاث مرات - فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له
وما حدثنا به أحمد بن محمد الطلمنكي نا نا ابن مفرج محمد بن أيوب الصموت الرقي نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا أبو كامل نا نا بشر بن منصور عن سفيان الثوري أبي إسحاق السبيعي عن عن أبيه عن [ ص: 27 ] النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : { أبي بردة بن أبي موسى الأشعري } . لا نكاح إلا بولي
وبه إلى البزاز نا محمد بن موسى الحرشي نا نا يزيد بن زريع عن شعبة بن الحجاج أبي إسحاق السبيعي عن عن أبيه - هو أبي بردة بن أبي موسى الأشعري أبو موسى - عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : { } . [ ص: 28 ] لا نكاح إلا بولي
فاعترض قوم على حديث أم المؤمنين هذا بأن ابن علية روى عن أنه سأل ابن جريج الزهري عن هذا الحديث ؟ فلم يعرفه - قالوا : وأم المؤمنين - رضي الله عنها - روي هذا الحديث عنها - وقد صح عنها أنها كانت أنكحت بنت أخيها - عبد الرحمن وهي بكر وهو مسافر بالشام قريب الأوبة - بغير أمره ، فلم يمضه ، بل أنكر ذلك إذ بلغه ، فلم تر عائشة ذلك مبطلا لذلك النكاح ، بل قالت للذي زوجتها منه - وهو - : اجعل أمرها إليه ، ففعل ، فأنفذه المنذر بن الزبير عبد الرحمن - .
قالوا : والزهري هو الذي روي عنه هذا الخبر . [ ص: 29 ]
قد رويتم من طريق عن عبد الرزاق أنه قال له : سألت معمر الزهري عن ؟ فقال : إن كان كفؤا لها لم يفرق بينهما . الرجل يتزوج بغير ولي
قالوا : فلو صح هذا الخبر لدل خلاف التي روته ، عائشة والزهري الذي رواه لما فيه دليلا على نسخه ؟
فقلنا : أما قولكم : إن الزهري سأله عنه ابن جريح فلم يعرفه ؟ فإن أبا سليمان داود بن بابشاذ بن داود بن سليمان كتب إلي : نا عبد الغني بن سعيد الأزدي الحافظ نا هشام بن محمد بن قرة الرعيني ، قال : نا نا أبو جعفر الطحاوي أحمد بن أبي داود عمران ، قال : نا عن يحيى بن معين ابن علية عن : أنه سأل ابن جريج الزهري عن هذا الحديث ؟ فلم يعرفه .
قال : وهذا لا شيء لوجهين - : أحدهما ما حدثناه القاضي أبو محمد أبو بكر حمام بن أحمد قال : نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا غيلان نا عباس نا : حديث يحيى بن معين ابن جرير هذا - قال عباس : فقلت له : إن ابن علية يقول : قال ابن جريج ؟ فقال : نسيت بعده ، فقال لسليمان بن موسى ابن معين : ليس يقول هذا إلا ابن علية ، وابن علية عرض كتب ابن جرير على عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد فأصلحها له ؟
قال ابن معين : لا يصح في هذا إلا حديث . سليمان بن موسى
قال : فصح أن سماع أبو محمد ابن علية من مدخول . ابن جريج
ثم لو صح أن الزهري أنكره ، وأن نسيه - : فقد روينا من طريق سليمان بن موسى نا مسلم بن الحجاج قال : قال لي ابن نمير عبدة ، عن وأبو معاوية عن أبيه عن هشام بن عروة - رضي الله عنها - قالت ، { عائشة أم المؤمنين } . كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع قراءة رجل في المسجد فقال : رحمه الله لقد أذكرني آية كنت أنسيتها
نا أحمد بن محمد بن الجسور نا وهب بن ميسرة نا نا ابن وضاح نا أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيع سفيان عن عن سلمة بن كهيل ذر بن عبد الله المرهبي عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه { أبي بن كعب ؟ فقال له أبي بن كعب : يا رسول الله أغفلت آية كذا ، أونسخت ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : بل أنسيتها } . أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الفجر فأغفل آية ، [ ص: 30 ] فلما صلى قال : أفي القوم
قال : فإذا صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسي آية من القرآن ، فمن أبو محمد الزهري ، ومن سليمان ، ومن يحيى حتى لا ينسى ؟ وقد قال عز وجل : { ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي } .
لكن ثقة ، فإذا روى لنا عن ابن جريج - وهو ثقة - أنه أخبره عن سليمان بن موسى الزهري بخبر مسند ، فقد قامت الحجة به ، سواء نسوه بعد أن بلغوه وحدثوا به ، أو لم ينسوه .
وقد نسي حديث لا عدوى . أبو هريرة
ونسي الحسن حديث من قتل عبده .
ونسي أبو محمد مولى ابن عباس حديث التكبير بعد الصلاة بعد أن حدثوا بها ، فكان ماذا ؟ لا يعترض بهذا إلا جاهل ، أو مدافع للحق بالباطل ، ولا ندري في أي القرآن ، أم في أي السنن ، أم في أي حكم العقول وجدوا ؟ أن من حدث بحديث ثم نسيه : أن حكم ذلك الخبر يبطل ، ما هم إلا في دعوى كاذبة بلا برهان ؟
وأما اعتراضهم بأنه صح عن ، وعن عائشة الزهري - رضي الله عنهما - أنهما خالفا ما رويا من ذلك ، فكان ماذا ؟ إنما أمرنا الله عز وجل ، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقامت حجة العقل بوجوب قبول ما صح عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وبسقوط اتباع قول من دونه عليه الصلاة والسلام .
ولا ندري أين وجدوا : أن من خالف - باجتهاده مخطئا متأولا - ما رواه أنه يسقط بذلك ما رواه ، ثم نعكس عليهم أصلهم هذا الفاسد ، فنقول : إذا صح أن أم المؤمنين - رضي الله عنها - والزهري - رحمه الله - رويا هذا الخبر ، وروي عنهما أنهما خالفاه ، فهذا دليل على سقوط الرواية بأنهما خالفاه ، بل بل الظن بهما أنهما لا يخالفان ما روياه ، وهذا أولى ، لأن تركنا ما لا يلزمنا من قولهما لما يلزمنا من روايتهما هو الواجب ، لا ترك ما يلزمنا مما روياه لما لا يلزمنا من رأيهما . [ ص: 31 ] فكيف وقد كتب إلي داود بن بابشاذ قال : حدثني نا عبد الغني بن سعيد هشام بن محمد بن قرة نا نا أبو جعفر الطحاوي الحسن بن غليب نا يحيى بن سليمان الجعفي نا عن عبد الله بن إدريس الأودي عن ابن جريج عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عائشة أم المؤمنين أنها أنكحت رجلا من بني أخيها جارية من بني أخيها ، فضربت بينهم سترا ، ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا النكاح أمرت رجلا فأنكح ، ثم قالت : ليس إلى النساء النكاح - فصح يقينا بهذا رجوعها عن العمل الأول إلى ما نبهت عليه من أن نكاح النساء لا يجوز .
واعترضوا في رواية أبي موسى : أن قوما أرسلوه ؟ فقلنا : فكان ماذا ، إذا صح الخبر مسندا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد قامت الحجة به ، ولزمنا قبوله فرضا ، ولا معنى لمن أرسله ، أو لمن لم يروه أصلا ، أو لمن رواه من طريق أخرى ضعيفة ؟ كل هذا كأنه لم يكن - وبالله تعالى التوفيق .
قال : وممن قال بمثل قولنا جماعة من السلف - : كما روينا : من طريق أبو محمد حدثني ابن وهب عن عمرو بن الحارث : أنه سمع بكير بن الأشج يقول : قال سعيد بن المسيب : لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها ، أو ذوي الرأي من أهلها ، أو السلطان . ومن طريق عمر بن الخطاب عن سفيان بن عيينة عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن معبد أن رد نكاح امرأة نكحت بغير إذن وليها . عمر بن الخطاب
ومن طريق عن عبد الرزاق : أخبرني ابن جريج عبد الرحمن بن جبير بن شيبة أن عكرمة بن خالد أخبره أن الطريق جمع ركبا ، فجعلت امرأة ثيب أمرها إلى رجل من القوم غير ولي فأنكحها رجلا ، فبلغ ذلك ، فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها . عمر بن الخطاب
ومن طريق عن محمد بن سيرين : ليس للنساء من العقد شيء ، لا نكاح إلا بولي ، لا تنكح المرأة نفسها ، فإن الزانية تنكح نفسها . أبي هريرة
ومن طريق عن حماد بن سلمة عن أيوب السختياني أن محمد بن سيرين قال : البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير الأولياء . [ ص: 32 ] ابن عباس
ومن طريق عن عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر قال : ولى نافع ابنته عمر بن الخطاب ماله وبناته ونكاحهن فكانت حفصة أم المؤمنين - رضي الله عنها - إذا أرادت أن تزوج امرأة أمرت أخاها حفصة أم المؤمنين عبد الله فيزوج .
وروينا نحو هذا أيضا عن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - ، وابن عمر ، وعمر بن عبد العزيز . وإبراهيم النخعي
وروينا : عن الحجاج بن المنهال نا أبو هلال ، قال : سألت الحسن ؟ فقلت : سألت أبا سعيد بسجستان ، ولوليها هاهنا ولي ، أيزوجها ولي وليها ؟ قال : لا ، ولكن اكتبوا إليه ، قلت له : إن الخاطب لا يصبر ؟ قال : فليصبر ، قال له رجل : إلى متى يصبر ؟ قال عن امرأة خطبها رجل ووليها غائب الحسن : يصبر كما صبر أهل الكهف .
وهو قول ، جابر بن زيد - . ومكحول
وهو قول ، ابن شبرمة وابن أبي ليلى ، وسفيان الثوري ، والحسن بن حي ، والشافعي ، وأحمد وإسحاق ، ، وأبي عبيد . وابن المبارك
وفي ذلك خلاف قديم ، وحديث - : كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا نا قاسم بن أصبغ محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار بندار نا نا أبو داود الطيالسي عن شعبة ، أبي إسحاق الشيباني ، قال وسفيان الثوري أبو إسحاق : كانت فينا امرأة يقال لها : بحرية ، زوجتها أمها ، وكان أبوها غائبا ، فلما قدم أبوها أنكر ذلك ، فرفع ذلك إلى فأجاز ذلك - . علي
قال : وأخبرني شعبة أنه سمع سفيان الثوري أبا قيس يحدث عن هذيل بن شرحبيل عن بمثله . علي بن أبي طالب
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا قال : أخبرني شعبة بن الحجاج سليمان الشيباني - هو أبو إسحاق - قال : سمعت القعقاع ، قال : إنه تزوج رجل امرأة منا يقال لها : بحرية ، زوجتها إياه أمها ، فجاء أبوها فأنكر ذلك ، فاختصما إلى ، فأجازه . علي بن أبي طالب
والخبر المشهور : عن عائشة أم المؤمنين : أنها زوجت بنت أخيها عبد الرحمن [ ص: 33 ] من ، المنذر بن الزبير وعبد الرحمن غائب بالشام ، فلما قدم أنكر ذلك ، فجعل المنذر أمرها إليه فأجازه .
وروينا أن ، وأمها أمامة بنت أبي العاص بن أبي الربيع خطبها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد قتل معاوية - رضي الله عنه - وكانت تحت علي ، فدعت علي بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فجعلت أمرها إليه فأنكحها نفسه ، فغضب مروان ، وكتب ذلك إلى ، فكتب إليه معاوية : دعه وإياها . معاوية
وصح عن في امرأة لا ولي لها ، فولت رجلا أمرها ، فزوجها ، قال ابن سيرين : لا بأس بذلك ، المؤمنون بعضهم أولياء بعض . ابن سيرين
وعن عن عبد الرزاق : أنه سأل ابن جريج عن عطاء ، فقال أما امرأة مالكة أمر نفسها إذا كان بشهداء ، فإنه جائز بغير أمر الولاة . امرأة نكحت بغير إذن ولاتها - وهم حاضرون
وعن القاسم بن محمد في امرأة زوجت ابنتها بغير إذن أوليائها ، قال : إن أجاز الولاة ذلك إذا علموا ، فهذا جائز - وروي نحو هذا عن الحسن أيضا .
قال الأوزاعي إن ، لم يكن للولي أن يفرق بينهما . كان الزوج كفؤا ولها من أمرها نصيب ، ودخل بها
وقال : لا يجوز أن تزوج المرأة نفسها ، ولا أن تزوجها امرأة ولكن إن زوجها رجل مسلم جاز ، المؤمنون إخوة بعضهم أولياء بعض . أبو ثور
قال : أما البكر فلا يزوجها إلا وليها ، وأما الثيب فتولي أمرها من شاءت من المسلمين ويزوجها ، وليس للولي في ذلك اعتراض . أبو سليمان
وقال : أما مالك - فهو جائز - وأما المرأة التي لها الموضع ، فإن زوجها غير وليها فرق بينهما فإن أجاز ذلك الولي ، أو السلطان : جاز ، فإن تقادم أمرها ولم يفسخ ، وولدت له الأولاد : لم نفسخ . الدنيئة ، كالسوداء ، أو التي أسلمت ، أو الفقيرة ، أو النبطية ، أو المولاة ، فإن زوجها الجار وغيره - ممن ليس هو لها بولي
وقال ، أبو حنيفة ، جائز للمرأة أن تزوج نفسها كفؤا ، ولا اعتراض لوليها في ذلك ، فإن زوجت نفسها غير كفء ، فالنكاح جائز ، وللأولياء أن يفرقوا بينهما ، وكذلك للولي أن يخاصم فيما حطت من صداق مثلها . [ ص: 34 ] وزفر
وقال ، أبو يوسف : لا نكاح إلا بولي ، ثم اختلفا ، فقال ومحمد بن الحسن : إن تزوجت بغير ولي فأجازه الولي جاز ، فإن أبى أن يجيز والزوج كفؤ أجازه القاضي ، ولا يكون جائزا إلا حتى يجيزه القاضي . أبو يوسف
وقال : إن لم يجزه الولي استأنف القاضي فيه عقدا جديدا . محمد بن الحسن
قال : أما قول أبو محمد ، محمد بن الحسن : فظاهر التناقض والفساد ، لأنهما نقضا قولهما " لا نكاح إلا بولي " إذ أجازا للولي إجازة ما أخبرا أنه لا يجوز . وأبي يوسف
وكذلك قول ، لأنه أجاز للمرأة أبي حنيفة ثم أجاز للولي فسخ العقد الجائز ، فهي أقوال لا متعلق لها بقرآن ، ولا بسنة لا صحيحة ، ولا سقيمة ، ولا بقول صاحب ، ولا بمعقول ، ولا قياس ، ولا رأي سديد - وهذا لا يقبل إلا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى ، إلا عن الوحي من الخالق ، الذي { إنكاح نفسها من غير كفء لا يسأل عما يفعل } وأما من غيره عليه الصلاة والسلام فهو دين جديد ، يعذب الله به في الحشر .
وأما قول : فظاهر الفساد ، لأنه فرق بين الدنية وغير الدنية ، وما علمنا الدناءة إلا معاصي الله تعالى . مالك
وأما السوداء ، والمولاة : فقد كانت - رضي الله عنها - سوداء ومولاة ، ووالله ما بعد أزواجه - عليه الصلاة والسلام - في هذه الأمة امرأة أعلى قدرا عند الله تعالى وعند أهل الإسلام كلهم منها . أم أيمن
وأما الفقيرة : فما الفقر دناءة ، فقد كان في الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - الفقير الذي أهلكه الفقر - وهم أهل الشرف والرفعة حقا - وقد كان قارون ، وفرعون ، وهامان : من الغنى بحيث عرف - وهم أهل الدناءة والرذالة حقا - .
وأما النبطية : فرب نبطية لا يطمع فيها كثير من قريش ليسارها ، وعلو حالها في الدنيا ، ورب بنت خليفة هلكت فاقة وجهدا وضياعا .
[ ص: 35 ] ثم قوله " يفرق بينهما فإن طال الأمر وولدت منه الأولاد لم يفرق بينهما " فهذا عين الخطأ ، إنما هو حق أو باطل ، ولا سبيل إلى ثالث ، فإن كان حقا فليس لأحد نقض الحق إثر عقده ولا بعد ذلك وإن كان باطلا فالباطل مردود أبدا ، إلا أن يأتي نص من قرآن أو سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيوقف عنده .
وما نعلم قول هذا قاله أحد قبله ولا غيره ، إلا من قلده ، ولا متعلق له بقرآن ، ولا بسنة صحيحة ، ولا بأثر ساقط ، ولا بقول صاحب ، ولا تابع ، ولا معقول ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه يعرف . مالك
وأما قول : فإن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : { أبي ثور } مانع من أن يكون ولي المرأة كل مسلم ، لأن مراعاة اشتجار جميع من أسلم من الناس محال ، وحاش أنه عليه الصلاة والسلام أن يأمر بمراعاة محال لا يمكن فصح أنه عليه الصلاة والسلام عنى قوما خاصة يمكن أن يشتجروا في نكاح المرأة ، لا حق لغيرهم في ذلك . فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له
قوله عليه الصلاة والسلام { } بيان جلي بما قلنا إذ لو أراد عليه الصلاة والسلام كل مسلم لكان قوله : { فالسلطان ولي من لا ولي له } محالا باطلا ، وحاش له من فعل ذلك ، فصح : أنهم العصبة الذين يوجدون لبعض النساء ولا يوجدون لبعضهن . من لا ولي له
وأما قول فإنما عول على الخبر الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله { أبي سليمان } . البكر يستأذنها أبوها والثيب أحق بنفسها من وليها
قال : وهذا لو لم يأت غيره لكان كما قال أبو محمد ، لكن قوله عليه الصلاة والسلام { أبو سليمان } عموم لكل امرأة ثيب أو بكر . [ ص: 36 ] أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل
وبيان هذا القول : أن معنى قوله عليه الصلاة والسلام { } أنه لا ينفذ فيها أمره بغير إذنها ، ولا تنكح إلا من شاءت ، فإذا أرادت النكاح لم يجز لها إلا بإذن وليهما ، فإن أبى أنكحهما السلطان على رغم أنف الولي الآبي . والثيب أحق بنفسها من وليها
وأما من لم ير للولي معنى فإنهم احتجوا بقول الله تعالى : { حتى تنكح زوجا غيره } وبقول الله تعالى : { فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن } .
وقد قلنا : إن قوله تعالى : { وأنكحوا الأيامى منكم } بيان في أن نكاحهن لا يكون إلا بإذن الولي .
واحتجوا بأن أم المؤمنين - رضي الله عنها - زوجها أم حبيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لا حجة لهم فيه ، لأن الله تعالى يقول : { النجاشي النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم } فهذا خارج من قوله عليه الصلاة والسلام { } . أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل
ووجه آخر : وهو أن هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الزائد على معهود الأصل ، لأن الأصل - بلا شك - أن تنكح المرأة من شاءت بغير ولي ، فالشرع الزائد هو الذي لا يجوز تركه ، لأنه شريعة واردة من الله تعالى ، كالصلاة بعد أن لم تكن ، والزكاة بعد أن لم تكن وسائر الشرائع ، ولا فرق .
واحتجوا بخبر فيه : أن هو زوج عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنها - من النبي صلى الله عليه وآله وسلم . أم سلمة أم المؤمنين
وهذا خبر إنما رويناه من طريق ابن عمر بن أبي سلمة وهو مجهول .
ثم لو صح لكان القول فيه كالقول في حديث سواء سواء ، مع أن أم حبيبة كان يومئذ صغيرا لم يبلغ ، هذا لا خلاف فيه بين أحد من أهل العلم بالأخبار ، فمن الباطل أن يعتمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقد من لا يجوز عقده . [ ص: 37 ] عمر بن أبي سلمة
ويكفي في رد هذا كله ما حدثناه يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود نا أحمد بن دحيم بن خليل نا نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق - نا عارم - هو محمد بن الفضل عن حماد بن زيد عن ثابت البناني قال : لما نزلت في أنس بن مالك { زينب بنت جحش فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها } قال : فكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقول : زوجكن أهلوكن وزوجني الله عز وجل من فوق سبع سموات .
فهذا إسناد صحيح مبين أن جميع نسائه عليه السلام إنما زوجهن أولياؤهن حاش زينب - رضي الله تعالى عنها - فإن الله تعالى زوجها منه عليه الصلاة والسلام .
وصح بهذا معنى قول - رضي الله عنها - أن أم حبيبة زوجها أي تولى أمرها وما تحتاج إليه وكان العقد بحضرته ، قد كان هنالك أقرب الناس إليها النجاشي ، عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية وعمرو ، ، ابنا وخالد سعد بن العاص بن أمية ، فكيف يزوجها - بمعنى يتولى عقد نكاحها - وهؤلاء حضور راضون مسرورون آذنون في ذلك بيقين لا شك فيه ؟ . النجاشي
وأما تزويجه عليه الصلاة والسلام المرأة بتعليم سورة من القرآن فليس في الخبر أنه كان لها ولي أصلا فلا يعترض على اليقين بالشكوك .
وهكذا القول في كل حديث ذكروه ، كخبر نكاح وإنما جعلت أمرها إلى ميمونة أم المؤمنين فزوجها منه عليه الصلاة والسلام . العباس
ونكاح أبي طلحة أم سليم - رضي الله عنها - على الإسلام فقط ، أنكحها إياه ، وهو صغير دون عشر سنين . أنس بن مالك
فهذا كله منسوخ بإبطاله عليه الصلاة والسلام النكاح بغير ولي ، وسائر الأحاديث التي فيها أن نساء أنكحن بغير إذن أهلهن ، فرد عليه الصلاة والسلام نكاحهن وجعل إليهن إجازة ذلك إن شئن - فكلها أخبار لا تصح إما مرسلة ، وإما من رواية علي بن غراب - وهو ضعيف - فظهر صحة قولنا .
وبالله تعالى التوفيق .
وأما قولنا : إنه لا يجوز ، فلأن الناس [ ص: 38 ] كلهم يلتقون في أب بعد أب إلى إنكاح الأبعد من الأولياء مع وجود الأقرب آدم عليه السلام بلا شك ، فلو جاز إنكاح الأبعد مع وجود الأقرب لجاز إنكاح كل من على وجه الأرض لأنه يلقاها بلا شك في بعض آبائها ، فإن حدوا في ذلك حدا كلفوا البرهان عليه ، ولا سبيل إليه - فصح يقينا أنه لا حق مع الأقرب للأبعد ، ثم إن عدم فمن فوقه باب هكذا أبدا ما دام يعلم لها ولي عاصب ، كالميراث ولا فرق .
وأما إن كان الولي غائبا فلا بد من انتظاره ، فإن قالوا : إن ذلك يضر بها ؟ قلنا : الضرورة لا تبيح الفروج - وقد وافقنا المالكيون على أنه إن كان للزوج الغائب مال ينفق منه على المرأة لم تطلق عليه - وإن أضرت غيبته بها في فقد الجماع وضياع كثير من أمورها - ووافقنا الحنفيون في أنه وإن لم يكن له مال فإنها لا تطلق عليه ولا ضرر أضر من عدم النفقة .
ثم نسألهم في حد الغيبة التي ينتظرون الولي فيها من الغيبة التي لا ينتظرونه فيها ، فإنهم لا يأتون إلا بفضيحة ، وبقول لا يعقل وجهه - وبالله تعالى نتأيد .