. ( قال ) عليه القضاء عندنا خلافا : رجل أصبح صائما متطوعا ثم أفطر رحمه الله تعالى وحجته حديث { للشافعي أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم ناولها فضل سؤره فشربت ثم قالت إني كنت [ ص: 69 ] صائمة لكن كرهت أن أرد سؤرك فقال : صلى الله عليه وسلم إن كان صومك عن قضاء فاقضي يوما ، وإن كان صومك تطوعا فإن شئت فاقضيه ، وإن شئت فلا تقضيه } ; ولأن المتنفل متبرع بما ليس عليه فلا يلزمه ما لم يتبرع به ، ولكنه مخير في آخره كما كان مخيرا في أوله كمن شرع في صلاة التطوع ينوي أربعا فصلى ركعتين كان مخيرا في الشفع الثاني ، وهذا بخلاف الحج فإن بتبرعه هناك لا يلزمه شيء إنما تعذر الخروج عما شرع فيه فيلزمه الإتمام حتى لو تيسر عليه الخروج بالإحصار لم يلزمه القضاء عندي ، وبخلاف الناذر فإنه ملتزم ما ليس عليه فكان نظير النذر من المعاملات الكفالة ونظير الشروع في الهبة والإقرار .
( ولنا ) حديث عائشة قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين فأهدي لنا حيس فأكلنا فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وابتدرنا لنسأله فبدرتني حفصة وكانت بنت أبيها سباقة إلى الخيرات فقال : صلى الله عليه وسلم { } فإن كان هذا بعد حديث اقضيا يوما مكانه أم هانئ كان ناسخا له ، وإن كان قبله فتبين به أن المراد بقوله إن شئت فاقضيه ، وإن شئت فلا تقضيه تأخير القضاء وتعجيله أو تبين به أن النبي صلى الله عليه وسلم خص أم هانئ بإسقاط القضاء عنها بقصدها التبرك بسؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنها غفلت عن الصوم لفرط قصدها إلى التبرك كما { أن أبا طيبة لما حجم النبي صلى الله عليه وسلم شرب دمه فقال : صلى الله عليه وسلم حرم الله جسدك على النار } وشرب الدم لا يوجب هذا ولكنه لفرط المحبة غفل عن الحرمة فأكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ذكر ; ولأنه باشر فعل قربة مقصودة فيجب عليه إتمامها ويلزمه القضاء بالإفساد كمن أحرم بحج التطوع .
ولا نقول : إن تبرعه بما ليس عليه يلزمه ما لم يتبرع به ، ولكن وجب عليه حفظ المؤدى لكونه قربة فإن التحرز عن إبطال العمل واجب قال الله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } كما أن الوفاء بالعهد واجب فكما يلزمه الأداء بعد النذر ; لأن الوفاء به فكذلك يلزمه أداء ما بقي ; لأن التحرز عن إبطال العمل فيه بخلاف الصلاة فإنه ليس في الامتناع من الشفع الثاني إبطال الشفع الأول ; ولأنه بالشروع تعين هذا اليوم لأداء الصوم المشروع فيه وله ولاية التعيين فيتعين بتعيينه والتحق بالزمان المتعين للصوم شرعا ، والإفساد في ذلك الزمان يوجب القضاء فهذا مثله ، وهو كالناذر لما كان له ولاية الإيجاب التحق ذلك بالواجب شرعا حتى إذا انعدم الأداء منه لزمه القضاء فهذا مثله وهذه المسألة تبنى على أصل ، وهو أن بعد الشروع لا يباح له الإفطار بغير عذر عندنا [ ص: 70 ] فيصير بالإفطار جانيا فيلزمه القضاء وعند رحمه الله تعالى يباح له الإفطار من غير عذر واختلفت الروايات في الشافعي ؟ فروى الضيافة هل تكون عذرا هشام عن رحمهما الله تعالى أنه عذر مبيح للفطر وروى محمد الحسن عن رحمهما الله تعالى أنه لا يكون عذرا وروى أبي حنيفة ابن مالك عن عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى أنه يكون عذرا ، وهو الأظهر لما روي { أبي حنيفة الأنصار فامتنع رجل من الأكل فقال : إني صائم فقال صلى الله عليه وسلم : إنما دعاك أخوك لتكرمه فأفطر واقض يوما مكانه } ووجه الرواية الأخرى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { أن رسول صلى الله عليه وسلم كان في ضيافة رجل من } أي فليدع لهم وقال صلى الله عليه وسلم : { : إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان مفطرا فليأكل ، وإن كان صائما فليصل إن أخوف ما أخاف على أمتي الشرك والشهوة الخفية فقيل ، أو تشرك أمتك بعدك فقال : لا ولكنهم يراءون بأعمالهم فقيل وما الشهوة الخفية فقال : أن يصبح أحدهم صائما ثم يفطر على طعام يشتهيه } وسواء كان الفطر بعذر أو بغير عذر فالقضاء واجب وكذلك سواء حصل الفطر بصنعه ، أو بغير صنعه حتى إذافعليها القضاء في أصح الروايتين وفي كتاب الصلاة إذا حاضت الصائمة تطوعا فعليه القضاء والخروج هنا ما كان بصنعه فتبين أن الصحيح أن الشروع ملزم للإتمام كالنذر موجب للأداء ، وأنه متى تعذر الإتمام بعد صحة الشروع فعليه القضاء افتتح التطوع بالتيمم ثم أبصر الماء