وأما إذا عين [ ص: 132 ] المكان بأن بمكة أو أعتكف فصام أو اعتكف في غير ذلك المكان خرج عن موجب نذره عندنا ، وقال قال : لله علي أن أصوم شهرا : لا يخرج عن موجب نذره وكذلك لو قال : لله علي أن أصلي ركعتين زفر بمكة فصلاهما هنا أجزأه عندنا خلافا والأصل عنده أنه لا يخرج عن موجب نذره إلا بالأداء في المكان الذي عينه أو في مكان هو أعلى من المكان الذي عينه لزفر وأفضل البقاع لأداء الصلاة فيها المسجد الحرام ثم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم مسجد بيت المقدس على ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { بيت المقدس تعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجدي هذا ، وصلاة في مسجدي هذا تعدل ألف صلاة في مسجد بيت المقدس وصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي هذا } . صلاة في مسجد
فإذا نذر أن يصلي في المسجد الحرام ركعتين لا يجوز أداؤهما إلا في ذلك الموضع عنده ، وإن لا يجوز أداؤهما إلا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو في نذر أن يصلي ركعتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام وإذا بيت المقدس لا يجوز أداؤها إلا في أحد هذه المساجد الثلاثة ، ولا يجوز أداؤها في غير هذه المساجد في سائر البلاد وإذا نذر الصلاة في مسجد لا يجوز أداؤها في مسجد المحلة وإذا نذر الصلاة في المسجد الجامع يجوز أداؤها في المسجد الجامع ، ولا يجوز أداؤها في بيته واعتمد في ذلك ما روي { نذر الصلاة في مسجد المحلة أن رضي الله تعالى عنها قالت لرسول الله : صلى الله عليه وسلم إني نذرت إن فتح الله عليك عائشة مكة أن أصلي ركعتين في البيت فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها وأدخلها الحطيم وقال : صلي ههنا فإن الحطيم من البيت } الحديث فهذا دليل اعتبار تعيينه المكان في النذر بالصلاة { بيت المقدس فقال : من صلى في مسجدي هذا فكأنما صلى في بيت المقدس } فهو دليل على جواز الأداء في مكان هو أعلى من المكان الذي عينه ; ولأن المذهب عند وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني نذرت أن أصلي ركعتين في مسجد أهل السنة والجماعة أن لبعض الأمكنة فضيلة على البعض وكذلك لبعض الأزمنة فإذا عين لنذره مكانا ثم أدى في مكان دون ذلك المكان في الفضيلة فإنما يقيم الناقص مقام الكامل مع قدرته على الأداء بصفة الكمال كما التزمه فلا يجوز ، وإن أدى في مكان هو أفضل من المكان الذي عينه فقد أدى أتم مما التزمه فيجزئه ذلك .
ألا ترى أنه لو لا يخرج عن موجب نذره ; لأن المؤدى [ ص: 133 ] أنقص مما التزمه وهذا بخلاف ما إذا نذر أن يصوم يوما فصام بالنية قبل الزوال ; لأن هناك قد تحقق العجز عن الأداء بالصفة التي التزمه ، ولهذا لم يجوز أضاف النذر إلى وقت فاضل فمضى ذلك الوقت التعجيل على ذلك الوقت ; لأن العجز لا يتحقق قبل مجيء ذلك الوقت ، وحجتنا في ذلك أن صحة النذر باعتبار معنى القربة ، وذلك في الصلاة لا في المكان ; لأن الصلاة تعظيم لله تعالى بجميع البدن ، وفي هذا المعنى الأمكنة كلها سواء ، وإن كان الأداء في بعض الأمكنة أفضل فذلك لا يدل على أن الواجب لا يتأدى بدون ذلك كما في أداء المكتوبات ، ولا شك أن أداء الصلاة بالجماعة في المسجد أفضل وقد أمر شرعا بالأداء بهذه الصفة ومع ذلك إذا زفر سقط عنه الواجب ، ولما بين النبي صلى الله عليه وسلم ثواب المتطوع بالصلاة في هذه المساجد ، قال : وأفضل ذلك كله صلاة الرجل في بيته في جوف الليل الآخر ثم عنده لو أداها في بيته وحده لم يجز ، ولما { التزم صلاة في بعض هذه البقاع فصلاها في بيته } فعلى هذا ينبغي أنها إذا التزمت الصلاة في سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل صلاة المرأة فقال : في أشد مكان من بيتها ظلمة المسجد الحرام فصلت في أشد مكان من بيتها ظلمة أن تخرج عن موجب نذرها ، وعند رحمه الله تعالى لا تخرج والذي يوضح ما قلنا أن الناذر إنما يلتزم بنذره ما هو من فعله لا ما ليس من فعله ، والمكان ليس من فعله فيكون هو بالنذر ملتزما للصلاة دون المكان ، وفي أي موضع صلى فقد أدى ما التزمه فيخرج عن موجب نذره ، وإن كان الأداء في الموضع الذي عينه أفضل زفر