( قال ) : وإذا يحرم عليه أمها وابنتها وتحرم هي على آبائه وأبنائه ، وقال وطئ الرجل امرأة بملك يمين أو نكاح أو فجور رحمه الله تعالى : إن كان الوطء بنكاح أو ملك يمين ، فكذلك الجواب وإن كان بالزنا لا تثبت به الحرمة واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم { الشافعي } ، وهكذا رواه الحرام لا يحرم الحلال رضي الله عنه . وروى ابن عباس رضي الله عنه { أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عمن يبتغي من امرأة فجورا ، ثم يتزوج ابنتها ، فقال : لا بأس لا يحرم الحرام الحلال } ، وقالت رضي الله عنها { عائشة } وعلل سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل يبتغي من امرأة حراما ، ثم يتزوج ابنتها ، فقال : يجوز لا يحرم الحرام الحلال ، وإنما يحرم ما كان من قبل النكاح رحمه الله تعالى في كتابه ، فقال : النكاح أمر حمدت عليه والزنا فعل رجمت عليه فأنى يستويان ، ومعنى [ ص: 205 ] هذا أن ثبوت حرمة المصاهرة بطريق النعمة والكرامة فإن الله تعالى من به على عباده بقوله تعالى { الشافعي فجعله نسبا وصهرا } ، وهو معقول ، فإن أمهاتها وبناتها يصرن كأمهاته وبناته حتى يخلو بهن ويسافر بهن ، وهذا يكون بطريق الكرامة والزنا المحض سبب لإيجاب العقوبة فلا يصلح سببا لإيجاب الحرمة والكرامة .
ألا ترى أنه لا يثبت به النسب والعدة ، فكذلك حرمة المصاهرة ، وحجتنا في ذلك قوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم } ، وقد بينا أن النكاح للوطء حقيقة فتكون الآية نصا في تحريم موطوءة الأب على الابن فالتقييد بكون الوطء حلالا زيادة . ولا تثبت هذه الزيادة بخبر الواحد ، ولا بالقياس والدليل عليه أن موطوءة الأب بالملك حرام على الابن بهذه الآية فدل أن المراد بالنكاح الوطء لا العقد ، وقد نقل مثل مذهبنا عن ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب رضي الله عنهم بألفاظ مختلفة والمعنى فيه أنه وطء في محله فيكون موجبا للحرمة كالوطء بالنكاح وملك اليمين وتفسير الوصف أن الوطء في هذا المحل محرم لكونه مثبتا ; لأن هذا الفعل حرث والحرث لا يكون إلا في محل مثبت وكون المحل مثبتا لا يختلف بالملك وعدم الملك ، وتأثيره أن ثبوت الحرمة بسبب هذا الوطء في الملك ليس لعين الملك بل لمعنى البعضية ; لأن الولد الذي يتخلق من الماءين يكون بعضا لكل واحد منهما فتتعدى شبهة البعضية إلى أمهاتها وبناتها وإلى آبائه وأبنائه والشبهة تعمل عمل الحقيقة في إيجاب الحرمة ، وهذا المعنى لا يختلف بالملك وعدم الملك ; لأن سبب البعضية حسي ، وإنما تكون هذه البعضية موجبة حرمة الموطوءة ; لأن البعضية الحكمية عملها كعمل حقيقة البعضية وحقيقة البعضية توجب الحرمة في غير موضع الضرورة ، فأما في موضع الضرورة لا توجب . وعمران بن حصين
ألا ترى أن حواء عليها السلام خلقت من آدم عليه السلام فكانت بعضه حقيقة وهي حلال له ، فكذلك شبهة البعضية إنما توجب الحرمة في غير موضع الضرورة ، وفي حق الموطوءة ضرورة ، وهذا لأن العلل الشرعية أمارات لا موجبات فلهذا ثبت الحكم بها في الموضع الذي جعلها الشرع علة . وقد جعل الشرع موضع الضرورة مستثنى من الحرمة بقوله تعالى { إلا ما اضطررتم إليه } ، فأما النسب فعندنا أحكام النسب تثبت ، ولكن الانتساب لا يثبت ; لأنه لمقصود الشرف به ، ولا يحصل ذلك بالنسبة إلى الزاني والعدة إنما لا تجب ; لأن وجوبها في الأصل باعتبار حق النكاح أو الفراش وبين النكاح والسفاح منافاة فبانعدام الفراش ينعدم السبب الموجب للعدة . وبعض [ ص: 206 ] أصحابنا - رحمهم الله تعالى - يقولون : الحرمة تثبت هنا بطريق العقوبة كما تثبت حرمة الميراث في حق القاتل عقوبة ، والأصل فيه قوله تعالى { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم } الآية وعلى هذا الطريق يقولون المحرمية لا تثبت حتى لا تباح الخلوة والمسافرة بها ، ولكن هذا التعليل فاسد فإن التعليل لتعدية حكم النص لا لإثبات حكم آخر سوى المنصوص فإن ابتداء الحكم لا يجوز إثباته بالتعليل ، والمنصوص حرمة ثابتة بطريق الكرامة فإنما يجوز التعليل لتعدية تلك الحرمة إلى الفروع لا لإثبات حكم آخر سوى المنصوص ، ولكن الصحيح أن نقول هذا الفعل زنا موجب للحد كما قال : ولكنه مع ذلك حرث للولد ويصلح أن يكون سببا لثبوت الحرمة والكرامة باعتبار أنه حرث للولد .
ألا ترى أنه في جانبها الفعل زنا ترجم عليه ، وإذا حبلت به كان لذلك الولد من الحرمة ما لغيره من بنيآدم فيثبت نسبه منها وتحرم هي عليه . وثبوت هذا كله بطريق الكرامة ; لأنه حرث لا ; لأنه زنا ، فكذا هنا فبهذا التقرير يتبين فساد استدلالهم بالحديث فإنا لا نجعل الحرام محرما للحلال ، وإنما نثبت الحرمة باعتبار أن الفعل حرث للولد وحرمة هذا الفعل بكونه زنا على أن هذا الحديث غير مجرى على ظاهره فإن كثيرا من الحرام يحرم الحلال كما إذا وقعت قطرة من خمر في ماء وكالوطء بالشبهة ووطء الأمة المشتركة ووطء الأب جارية الابن فإن هذا كله حرام حرم الحلال لا ; لأنه حرام بل للمعنى الذي قلنا ، فكذلك هنا