( قال ) : وإذا كان لأبيها أن يزوجها عندنا ، وقال مات زوج الصغيرة عنها بعد ما دخل بها أو طلقها وانقضت عدتها رحمه الله تعالى : ليس للأب أن يزوج الثيب الصغيرة حتى تبلغ فيشاورها لقوله صلى الله عليه وسلم { الشافعي } ، فقد علق هذا الحكم باسم مشتق من معنى ، وهو الثيوبة فكان ذلك المعنى هو المعتبر في إثبات هذا الحكم كالزنا والسرقة لإيجاب الحد ، وقد قال صلى الله عليه وسلم { والثيب تشاور } ، والمراد بالأيم الثيب . الأيم أحق بنفسها من وليها
ألا ترى أنه قابلها بالبكر ، فقال { } والمعنى فيه أنها ثيب ترجى مشورتها إلى وقت معلوم فلا يزوجها وليها بدون رضاها [ ص: 218 ] كالنائمة والمغمى عليها ، وتأثير هذا الوصف أن في الثيوبة معنى الاختبار وممارسة الرجال ، وفي النكاح في جانب النساء معنيان معنى الضرر بإثبات الملك عليها ، ومعنى المنفعة بقضاء شهوتها فمن ترجح معنى قضاء الشهوة في جانبها تختار الزوج ومن ترجح معنى ضرر الملك تختار التأيم ، وإنما تتمكن من التمييز بالتجربة ; لأن لذة الجماع بالوصف لا تصير معلومة والتجربة إنما تحصل بالثيوبة فكانت صفة الثيوبة في حقها نظير البلوغ في حق الغلام ، وفي حق التصرف في المال ولهذا تزول ولاية الافتيات عليها بالثيوبة ; لأن فيه تفويت ما يحدث لها في التأني من الرأي ، وهذا بخلاف المجنونة ; لأن الجنون لا يفقد شهوة الجماع ، ولو لم يزوجها وليها كان فيه إضرار بها في الحال والصغر يفقد شهوة الجماع فلا يكون في تأخير العقد إلا أن تبلغ معنى الإضرار بها ، ولأنه ليس لزوال الجنون غاية معلومة ، ولا يدري أيفيق أم لا ؟ وفي تأخير العقد لا إلى وقت معلوم إبطال حقها ، فأما الصغر لزواله غاية معلومة فلا يكون في تأخير العقد إلى بلوغها إبطال حقها . وحجتنا في ذلك أنه ولى من لا يلي نفسه وماله فيستبد بالعقد عليها كالبكر . وتأثيره أن الشرع باعتبار صغرها أقام رأي الولي مقام رأيها كما في حق الغلام وكما في حق المال وبالثيوبة لا يزول الصغر ، وكذلك معنى الرأي لا يحصل لها بالثيوبة في حالة الصغر ; لأنها ما نضت شهوتها بهذا الفعل ، ولو ثبت لها رأي فهي عاجزة عن التصرف بحكم الرأي فيقام رأي الولي مقام رأيها كما أنها لما كانت عاجزة عن التصرف في ملكها أقيم تصرف الولي مقام تصرفها ، والمراد بالحديث البالغة ; لأنه علق به ما لا يتحقق إلا بعد البلوغ ، وهو المشاورة وكونها أحق بنفسها ، وذلك إنما يتحقق في البالغة دون الصغيرة ولئن ثبت أن الصغيرة مراد فالمراد المشورة على سبيل الندب دون الحتم كما أمر باستئمار أمهات البنات ، فقال : وتؤامر النساء في إبضاع بناتهن ، وكان بطريق الندب فهذا مثله وكما يجوز للأب عندنا تزويج الثيب الصغيرة ، فكذلك يجوز لغير الأب والجد ، وعند البكر تستأمر في نفسها رحمه الله تعالى لا يجوز لمعنيين : أحدهما - أنها يتيمة والثاني أنها ثيب الشافعي