( قال ) : ولو ; لأن المعتق عن المعتق ، ونيته من غيره لغو ; لأنه يعقب الولاء ; وليس لأحد أن يلزم غيره ولاء بغير أمره ; فإن كان بأمره فهو على وجهين : إما أن يكون بجعل أو بغير جعل ، فإن كان بجعل بأن قال : أعتق عبدك عن ظهاري على ألف درهم فأعتقه جاز عن ظهاره استحسانا عندنا وعند أعتق رجل عنه بغير أمره لم يجزه عن ظهاره رحمه الله تعالى ، ووجب المال عليه ، وفي القياس وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى يعتق عن المعتق ، والولاء له ، ولا يجزئ عن ظهار الآمر ، ولا مال عليه ; لأنه التمس منه محالا ، وهو أن يعتق ملك نفسه من غيره ، ولا عتق فيما لا يملكه ابن زفر آدم فكان إعتاق زيد ملكه عن عمرو محالا ، ولا يجوز إضمار التمليك هنا ; لأن الإضمار لتصحيح المصرح به لا لإبطاله [ ص: 11 ] وإذا أضمرنا التمليك صار معتقا عن الآمر لا ملك نفسه ، وهو خلاف ما صرح به ولكنا نقول : معنى كلامه ملكني عبدك هذا بألف درهم ، ثم كن وكيلي في إعتاقه عن ظهاري ; لأنه التمس منه إعتاقه عن ظهاره ، ولا وجه لتصحيح التماسه إلا بهذا الإضمار ، وتصحيح كلام العاقل واجب بحسب الإمكان فإذا أمكن تصحيحه بهذا الطريق يصحح لمعنى ، وهو أن الملك في المحل شرط العتق ، وشرط الشيء تبعه فيصير كالمذكور بذكر أصله ، كمن نذر صلاة تلزمه الطهارة . ومن يلزمه الصوم ، ويصير ذلك كالمذكور ، وعلى هذا لو نذر اعتكافا يعتق من جهته ، ويصير القبول والتمليك ثابتا بمقتضى كلامه ، ومعنى قوله عبدك : يعني العبد الذي هو ملك لك للحال لا عند مصادفة العتق إياه ، فمقصوده من هذا تعريف العبد لا إضافته إليه ، والخلاف ثابت فيما لو قال بعت منك هذا العبد بكذا فقال المشتري : هو حر . قال أعتق هذا العبد عني
وأما إذا كان بغير جعل بأن على قول قال : أعتق عبدك عن ظهاري بغير شيء فأعتقه المأمور أبي حنيفة - رحمهما الله تعالى - الولاء للمأمور ، ولا يجزئ عن ظهار الآمر ، وهو القياس ; وعلى قول ومحمد أبي يوسف - رحمهما الله تعالى - الولاء للآمر ، ويجزئ عن ظهاره باعتبار إضمار التمليك كما في الأول ، وهذا ; لأن الملك سواء حصل له بعوض أو بغير عوض يجوز عن كفارته إذا أعتقه ، ولا يجوز أن يقال الملك بطريق الهبة لا يحصل إلا بالقبض ; لأن القبض في باب الهبة كالقبول في البيع فكما سقط اعتبار القبول هناك لكون البيع في ضمن العتق ، فكذلك يسقط اعتبار القبض هنا ، أو يجعل القبض مدرجا في كلامه حكما كما يندرج القبول في كلامه ، أو يجعل العبد قابضا نفسه من المولى له ، كما لو والشافعي يجوز بغير بدل على أن يقبض الفقير له ثم لنفسه ، والدليل عليه أنه لو قال : أعتقه عني بألف ورطل من خمر فأعتقه جاز عن الآمر ، ويندرج البيع الفاسد هنا ، والملك بالبيع الفاسد لا يحصل إلا بالقبض كما في الهبة قال أطعم عن ظهاري ستين مسكينا وأبو حنيفة - رحمهما الله تعالى - يقولان : مستوهب أمر بالعتق قبل القبض فلا يجزي عنه ، كما لو استوهبه العبد نصا ثم قال قبل قبضه : أعتقه ، وهذا ; لأن القبض في باب الهبة شرط لوقوع الملك على وجه لا يجوز إسقاطه بحال ، فلا يسقط بالاندراج في العتق ; لأن المسقط إنما يعمل في محله ، لا في غير محله بخلاف القبول في البيع فإنه يحتمل السقوط حتى لو ومحمد صار متملكا ، وإن لم يقبل ، وهذا لأن الإيجاب مع القبول قد يحتمل السقوط في البيع [ ص: 12 ] وهو عند التعاطي فمجرد القبول أولى أن يحتمل السقوط ، وبه فارق البيع الفاسد ; لأن الفاسد في الحكم ملحق بالجائز ، والقبض هناك نظير القبول هنا في أنه يحتمل الإسقاط ، ولا يجوز أن يجعل القبض مدرجا في كلامه هنا ; لأن القبض فعل - والقول لا يتضمن الفعل - إنما يتضمن قوله مثله . قال : بعت منك هذا الثوب بعشرة فاقطعه فقطعه
والقبول قول ، فيجوز أن يندرج في كلامه ، ولا يجوز أن يجعل العبد قابضا نفسه هنا ; لأن الإعتاق إبطال للملك والمالية ، والعبد إنما يقبض ما يسلم له دون ما لا يسلم له ، وبه فارق الطعام ، فإن المسكين يقبض عين الطعام فيمكن أن يجعل قابضا للآمر أولا ثم لنفسه ، ولكن العبد ينتفع بهذا الإعتاق فمن هذا الوجه يندرج فيه أدنى القبض ، ولكن أدنى القبض يكفي في البيع الفاسد ، ولا يكفي في الهبة كالقبض مع الشيوع فيما يحتمل القسمة ، ومع الاتصال في الثمار على رءوس الأشجار يكفي لوقوع الملك في البيع الفاسد دون الهبة . وبهذا يتضح الفرق بين هذه الفصول .