وإن لم يكن عليه حنث في يمينه ، وإن كان يعلم بموته حين حلف حنث ، وكذلك لو حلف ليضربنه أو ليكلمنه أو ليقتلنه وهذا قول حلف ليقضين فلانا ماله وفلان قد مات وهو لا يعلم به أبي حنيفة ، وقال ومحمد رضوان الله عليهم أجمعين : يحنث علم أو لم يعلم ; لأنه أضاف اليمين إلى محلها فانعقدت ، ثم شرط البر فات منه ، وفوات شرط البر يوجب الحنث كما لو كان عالما بموته أو كان حيا فمات قبل أن يقتله ، وبيان الوصف أن محل اليمين خبر في المستقبل سواء كان الحالف قادرا عليه أو عاجزا عنه ، ألا ترى أنه أبو يوسف انعقدت يمينه ؟ لأنه عقدها على خبر في المستقبل ، وإن كان هو عاجزا عن إيجاده فهذا مثله لو قال : والله لأمسن السماء أو لأحولن هذا الحجر ذهبا وأبو حنيفة رحمهما الله قالا : محل اليمين المعقودة خبر فيه رجاء الصدق ; لأنها تعقد للحظر أو للإيجاب أو لإظهار معنى الصدق ، وذلك لا يتحقق فيما ليس فيه رجاء الصدق فلا تنعقد أصلا كاليمين الغموس ثم إذا كان لا يعلم بموته فمقصوده إزهاق روح موجودة فيه وقت [ ص: 7 ] اليمين ولا تصور لهذا إذا كان ميتا ، وإذا كان يعلم بموته فمقصوده إزهاق روح يحدثه الله تعالى فيه إذا أحياه ، وذلك متوهم فانعقدت يمينه ثم حنث لوقوع اليأس عما هو شرط البر ظاهرا ، وعلى هذا : والله لأشربن هذا الماء الذي في هذا الكوز ولا ماء في الكوز لا تنعقد يمينه في قول ومحمد أبي حنيفة رحمهما الله تعالى لأنه عقد يمينه على خبر ليس فيه رجاء الصدق ، إلا أنه لا فرق هنا بين أن يعلم أن الكوز لا ماء فيه أو لا يعلم ; لأنه عقد اليمين على شرب الماء الموجود في الكوز والله تعالى إن أحدث في الكوز ماء فليس هو الماء الذي كان موجودا في الكوز وقت اليمين بخلاف مسألة القتل إذا كان يعلم بموت فلان ; لأنه عقد يمينه على فعل القتل في فلان فإذا أحياه الله تعالى فهو فلان فكان ما عقد عليه اليمين متوهما . ومحمد
ووزان هذا في مسألة الكوز إن لو قال : لأقتلن هذا الميت فإن يمينه لا ينعقد ; لأنه لا تصور لما حلف عليه فإنه إذا أحياه الله تعالى حتى يتحقق فيه فعل القتل لا يكون ميتا ، وفي مسألة القتل رواية عن أبي يوسف رحمهما الله تعالى على ضد ما ذكره في الأصل أنه إذا كان لا يعلم بموته ينعقد يمينه باعتبار ما يتوهمه بجعله كالموجود حقيقة في حقه ، وإن كان يعلم بموته لا تنعقد يمينه ، ولكن الأول أصح فأما إذا حلف ليمسن السماء فهو آثم في هذه اليمين ; لأن المقصود باليمين تعظيم المقسم به وإنما يحصل بيمينه هتك حرمة الاسم باستعمال اليمين في هذا المحل ، ولكن عليه الكفارة عندنا خلافا أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإنه يعتبر لعقد اليمين أن يكون ما يحلف عليه في وسعه إيجاده ، وذلك غير موجود هنا ولكنا نقول : انعقاد اليمين باعتبار توهم الصدق في الخبر وذلك موجود ، فإن السماء عين ممسوس والملائكة يصعدون السماء . لزفر
ولو أقدره الله تعالى على صعود السماء يصعد وكذلك الحجر محل قابل للتحول لوجوده فانعقدت يمينه ثم حنث في الحال لعجزه عن إيجاد شرط البر ظاهرا وذلك كاف للحنث ، ألا ترى أن في الفعل الذي يقدر عليه يحنث إذا مات قبل أن يفعله ; لوجود العجز عن إيجاد شرط البر ظاهرا ولا فائدة في انتظار الموت هنا ; لأن ذلك العجز ثابت في الحال ولا يقال : إعادة الزمان الماضي في قدرة الله تعالى أيضا وقد فعله لسليمان صلوات الله عليه ، فكان ينبغي أن ينعقد اليمين الغموس بالطريق الذي قلتم وهذا ; لأن هناك أخبر عن فعل قد وجد منه وذلك لا كون له والله تعالى .
وإن أعاد الزمان الماضي لا يصير الفعل موجودا من الحالف حتى يفعله وفي مسألة مس السماء لو وقت يمينه لم يحنث ما لم يمض ذلك الوقت لما بينا أن انعقاد اليمين المؤقتة [ ص: 8 ] في آخر الوقت المسمى وعن رحمه الله تعالى أنه يحنث في الحال ; لأنه إنما يتوقت انعقاد اليمين إذا كان ما حلف عليه في وسعه إيجاده عند ذلك ، فأما إذا لم يكن في وسعه إيجاده كان توقيته لغوا فيحنث في الحال ، وهكذا على مذهبه في مسألة شرب الماء الذي في الكوز إذا وقت يمينه ، فإن كان في الكوز ماء لم يحنث إلا في آخر الوقت ، وإن لم يكن في الكوز ماء حنث في الحال . أبي يوسف