( قال ) وإذا لم يرجم ، أما ما يبطل الشهادة كالعمى والخرس والردة وحد القذف ; لأن هذه العوارض لو اقترنت بالشهادة منعتها من أن تكون حجة ، فكذلك إذا اعترضت بعد الشهادة قبل القضاء أو بعد القضاء قبل الاستيفاء ; لأن موجبه مما يندرئ [ ص: 51 ] بالشبهات ولكن لا حد على الشهود ; لأنهم جاءوا مجيء الشهود والعدد متكامل ، وكذلك إن أصاب ذلك أحد الشهود فهو وما لو أصابهم في الحكم سواء فأما في موت الشهود وغيبتهم فنقول إن ذلك لا يقدح في الحجة ، ألا ترى أن في حقوق الناس لا يمتنع على القاضي القضاء بها فكذلك في الزنا ، إذا كان الحد جلدا ; لأن بالموت يتأكد عدالتهم إذ لا يتصور منهم بعد الموت ما يبطل عدالتهم ، وكذلك غيبتهم لا تكون قدحا في عدالتهم فلا يمنع إقامة الحد على القاضي ، فأما إذا كان الحد رجما فإنه لا يقام بعد غيبة الشهود وموتهم ; لأن شهدوا بالزنا والإحصان وماتوا أو غابوا أو عموا أو ارتدوا أو خرسوا أو ضربوا حد القذف قبل إقامة الحد أو قبل أن يقضى بشهادتهم أن يبدأ به الشهود ثم الإمام ثم الناس وقد تعذر ذلك بموتهم وغيبتهم . السنة في الرجم
وهذا قولنا ، وأما عند رحمه الله تعالى لا يعتبر في الرجم بداية الشهود ولكن الإمام هو الذي يبدأ قال ; لأن الشهود فارقوا سائر الناس في أداء الشهادة ، وإقامة الرجم ليس من أداء الشهادة في شيء فهم في ذلك كسائر الناس ، ألا ترى أن الحد لو كان جلدا لا يؤمر الشهود بالضرب ؟ فكذا الرجم ولكنا نستدل بحديث الشافعي رضي الله عنه فإنه لما أراد أن يرجم علي شراحة الهمدانية قال الرجم رجمان رجم سر ورجم علانية فرجم العلانية أن يشهد على المرأة ما في بطنها وتعترف بذلك فيبدأ فيه الإمام ثم الناس ، ورجم السر أن يشهد أربعة على رجل بالزنا فيبدأ الشهود ثم الإمام ثم الناس ولأن في الأمر ببداية الشهود احتيالا لدرء الحد فالإنسان قد يجترئ على أداء الشهادة كاذبا ثم إذا آل الأمر إلى مباشرة القتل يمتنع من ذلك ، وقد أمرنا في الحدود بالاحتيال للدرء بخلاف الجلد فكل أحد لا يحسن الضرب ، فلو أمرنا الشهود بذلك ربما يقتلونه بخرقهم من غير أن يكون قتله مستحقا ، وذلك لا يوجد في الرجم ، فكل أحد يحسن الرمي وقد صار الإتلاف مستحقا هنا .
وعن رحمه الله تعالى قال : يؤمر الشهود بالبداية إذا كانوا حاضرين حتى إذا امتنعوا لا يقام الرجم فإذا ماتوا أو غابوا يقام الرجم هنا ; لأنه قد تعذر البداية بهم بسبب لا يلحقهم فيه تهمة فلا يمتنع إقامة الرجم كما لو كانوا مقطوعي الأيدي أو مرضى أو عاجزين عن الحضور بخلاف ما لو امتنعوا ; لأنهم صاروا متهمين بذلك ولكنا نقول حين كانوا مقطوعي الأيدي في الابتداء لم تستحق البداية بهم للتعذر ، فأما هنا فقد استحق البداية بهم لتيسر ذلك عند الحكم فإذا تعذر بالموت أو الغيبة لا يقام الحد كما لو تعذر بامتناعهم أبي يوسف