( قال ) عندنا وقال وليس للمولى أن يقيم الحد على مملوكه ومملوكته رحمه الله تعالى : له ذلك في الحدود التي هي محض حق الله [ ص: 81 ] تعالى إذا عاين سببه من العبد أو أقر به بين يديه وإذا ثبت بحجة البينة فله فيه قولان ، وفي حد القذف والقصاص له فيه وجهان وهذا إذا كان المولى ممن يملك إقامة الحد بولاية الإمامة ، إن كان إماما وإن كان مكاتبا أو ذميا أو امرأة فليس له ولاية إقامة الحد كما لا يثبت له ولاية إقامة الحد بتقليد القضاء والإمامة ، واحتج بحديث الشافعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { علي } وحديث أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ابن عمر } . إذا زنت أمة أحدكم فليحدها إلى أن قال بعد الثالثة فليبعها ولو بضفير
والجلد متى ذكر عند حكم الزنا يراد به الحد دون التعزير وقد ذكر في بعض الروايات فليجلدها الحد ، والمعنى فيه أن هذه عقوبة مشروعة للزجر والتطهير فيملك المولى إقامته بولاية الملك كالتعزير وتأثيره أنه إصلاح للملك ; لأن ملكه يتعيب بارتكاب هذه الفواحش فما شرع للزجر عنها يكون إصلاحا لملكه بمنزلة التزويج ، وفي التطهير إصلاح ملكه أيضا ، ألا ترى أن ما كان مشروعا للتطهير كالختان وصدقة الفطر يملكه المولى بولاية الملك ؟ وهذا ; لأنه من مملوكه ينزل منزلة السلطان من رعيته ، أو هو أقوى حتى تنفذ فيه تصرفاته ، ولو حنث كالسلطان في حق الرعية ولهذا قلنا إذا كان مكاتبا أو ذميا أو امرأة لا يقيم الحد ; لأنه بولاية السلطنة لا يقيم ، فكذلك بولاية الملك كما في حق نفسه لما كان لا يقيم الحد على نفسه بولايته السلطنة لا يقيم بملكه نفسه ، ولأن في القول بأنه يقيم التعزير عليه دون الحد جمعا بين التعزير والحد بسبب فعل واحد ; لأنه إذا علم بزناه عزره ثم رفعه إلى الإمام فيقيم عليه الحد ولا يجمع بينهما بسبب فعل واحد . حلف لا يضربه فأمر غيره حتى ضربه
( وحجتنا ) فيه قوله { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } واستيفاء ما على المحصنات للإمام خاصة فكذلك ما على الإماء من نصف ما على المحصنات ، وعن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم موقوفا ومرفوعا ضمن الإمام أربعة ، وفي رواية أربعة إلى الولاة : وابن الزبير
الحدود والصدقات ، والجمعات ، والفيء . والمعنى فيه وهو أن هذا حق الله تعالى يستوفيه الإمام بولاية شرعية فلا يشاركه غيره في استيفائه كالخراج والجزية والصدقات وتأثيره أن بسبب الملك يثبت للمولى الولاية في ما هو من حقوق ملكه فأما حقوق الله تعالى استيفاؤها بطريق النيابة ، ألا ترى أن حق العبد لا يستوفيه إلا هو أو نائبه والإمام متعين للنيابة عن الشرع ، فأما المولى بولاية الملك لا يصير نائبا عن الشرع ، وهو كأجنبي آخر في استيفائه بخلاف التعزير [ ص: 82 ] فإنه من حقوق الملك ، والمقصود به التأديب ، ألا ترى أنه قد يعزر من لا يخاطب بحقوق الله كالصبيان وهو نظير التأديب في الدواب فإنه من حقوق الملك وكذلك الختان فإنه بمنزلة الخصي في الدواب لإصلاح الملك ، وكذلك صدقة الفطر فإنها بمنزلة المؤن والنفقات فلما كان معنى حق الملك مرجحا في هذه الأشياء ملك المولى إقامته ، ألا ترى أنه لو كان مكاتبا أو ذميا أو امرأة كان له إقامة التعزير دون الحد ؟ يوضحه أن فيما يثبت للمولى الولاية بسبب الملك هو مقدم على السلطان كالتزويج وبالاتفاق للإمام ولاية إقامة هذا الحد شاء المولى أو أبى ، عرفنا أنه لا يثبت ولاية إقامته بسبب الملك .
ووجه آخر أن وجوب هذه الحدود باعتبار معنى النفسية دون المالية إذ الحد لا يجب على المال بحال ، والعبد في معنى النفسية مبقى على أصل الحرية ، ولهذا يصح إقراره على نفسه بهذه الأسباب ، ولا يصح إقرار المولى عليه بشيء من هذه الأشياء ، وولاية المولى عليه فيما يتصل بالمالية فأما فيما يتصل بالبدن كأجنبي آخر ، ألا ترى أن في طلاق زوجته جعل المولى كأجنبي آخر بخلاف التعزير ؟ فذلك قد يستحق باعتبار المالية على ما بينا أنه نظير الضرب في الدواب ، والدليل عليه أنه لا يملك سماع البينة عليه ، ولو نزل منزلة السلطان لملك ذلك ، وإنما يحنث في اليمين بالضرب لاعتبار العرف .
وقوله { } خطاب للأئمة كقوله { أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم فاقطعوا } خطاب للأئمة ، وفائدة تخصيص المماليك أن لا تحملهم الشفقة على ملكهم على الامتناع عن إقامة الحد عليهم ، أو المراد السبب والمرافعة إلى الإمام ، وقد يضاف الشيء إلى المباشر تارة وإلى المسبب أخرى ، وهذا تأويل الحديث الآخر أن المراد به التعزير ; لأن الجلد وإن ذكر عند الزنا وإنما أضيف إلى من لم يتعين نائبا في استيفاء حقوق الله تعالى ، فكان المراد التعزير .
ولا يبعد واحد كالزاني في نهار رمضان يعزر لتعمد الإفطار ويحد للزنا ، وكما لو كان المولى مكاتبا يعزر مملوكه على الزنا ، ثم يرفعه إلى الإمام ليقيم عليه الحد الجمع بين الحد والتعزير بسبب فعل