( قال ) وإن سئلا عن ماهيتها وكيفيتها ; لأن مبهم الاسم محتمل ، فإن من يستمع كلام الغير سرا يسمى سارقا ، قال الله تعالى { شهد شاهدان على رجل بالسرقة إلا من استرق السمع } ويقال : سرق لسان الأمير ، ومن لا يعتدل في الركوع والسجود يسمى سارقا قال صلى الله عليه وسلم { } فيستفسرهما عن الماهية والكيفية لها ، ولأن المسروق قد يكون مالا متقوما ، وقد يكون غير مال ، وقد يكون محرزا أو غير محرز ، وقد يكون نصابا وما دونه فلا بد أن يسألهما عن الماهية والكيفية . إن أسوأ الناس سرقة من يسرق من صلاته
وينبغي أن يسألهما متى سرق ؟ وأين سرق ؟ كما بيناه في الزنا ; لأن فيسألهما عن ذلك ، ولم يذكر السؤال ممن سرق ; لأن المسروق منه حاضر يخاصم والشهود يشهدون بالسرقة منه ولا حاجة إلى السؤال عن ذلك ، فإذا بينوا جميع ذلك والقاضي لا يعرف الشاهدين حبسه حتى يسأل عنهما ; لأنه صار متهما بارتكاب الحرام فيحبس ، ولا يمكن التوثق بالكفيل ; لأنه لا كفالة في حقوق الله تعالى ، ولا يتمكن من القضاء قبل ظهور عدالتهما ; لأن القطع يتعذر تلافيه عند وقوع الغلط فيه ، فلهذا حبسه فإن زكيا وقيمة المسروق نصاب كامل والمسروق منه غائب لم يقطع إلا بحضرته . حد السرقة لا يقام بعد تقادم العهد ، ولا يقام على من باشر السبب في دار الحرب
وكان رحمه الله تعالى يقول : لا حاجة إلى حضرة المسروق منه وتقبل الشهادة على السرقة وحبسه كالزنا ; لأن المستحق بكل واحد منهما حد هو خالص حق الله تعالى ابن أبي ليلى رحمه الله يقول والشافعي ، فأما إذا قامت البينة عليه بذلك فلا بد من حضوره عند الشهادة ; لأن الشهادة تنبني على الدعوى في المال فما لم يحضر هو أو نائبه لا تقبل شهادته ، وإن غاب بعد ذلك لا يتعذر استيفاء القطع ، وعندنا لا بد من حضرة المسروق منه في الإقرار والشهادة جميعا عند الأداء ، وعند القطع ; لأن ظهور فعل السرقة لا يكون إلا به فلا بد من أن يكون المسروق مملوكا لغير السارق ، فإذا قطع قبل حضوره [ ص: 143 ] كان استيفاء الحد مع الشبهة لجواز أن يرد إقراره فيبقى المال مملوكا لمن في يده أو كان أقر له بالملك بعد شهادة الشهود أو أنه كان ضيفا عنده ، ولا معتبر بحضور وكيله عند الاستيفاء ; لأن الوكيل قائم مقامه وشرط الحد لا يثبت بما هو قائم مقام الغير : إذا أقر السارق بالسرقة فلا حاجة إلى حضرة المسروق منه لقطعه