فأما إذا فإن تبين أنه أصاب أو أكبر رأيه أنه أصاب أو لم يتبين من حاله شيء فصلاته جائزة بالاتفاق ، وكذلك إن تبين أنه أخطأ فصلاته جائزة عندنا ، وقال شك وتحرى وصلى إلى الجهة التي أدى إليها اجتهاده رحمه الله تعالى : إن تبين أنه تيامن أو تياسر فكذلك الجواب وإن تبين أنه استدبر الشافعي الكعبة فصلاته فاسدة وعليه الإعادة في أحد القولين لأنه تبين الخطأ [ ص: 193 ] في اجتهاده فيسقط اعتبار اجتهاده كالقاضي باجتهاده إذا ظهر النص بخلافه والمتوضئ بماء إذا علم بنجاسته بخلاف ما إذا تيامن أو تياسر لأن هناك لا يتيقن بالخطأ فإن وجه المرء مقوس فإن عند التيامن أو التياسر يكون أحد جوانب وجهه إلى القبلة وأما عند الاستدبار لا يكون شيء من وجهه إلى الكعبة فيتيقن بالخطأ به .
( وحجتنا ) في ذلك قوله تعالى { ولله المشرق والمغرب } الآية ، وفي سبب نزولها حديثان : أحدهما ما روي عن عبد الله بن عامر رحمه الله تعالى قال { : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر في ليلة طحياء مظلمة فاشتبهت علينا القبلة فتحرى كل واحد منا وخط بين يديه خطا فلما أصبحنا إذا الخطوط على غير القبلة فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سألناه عن ذلك فنزلت الآية فقال صلى الله عليه وسلم أجزأتكم صلاتكم } وفي حديث { رضي الله عنه قال : كنا في سفر في يوم ذي ضباب فاشتبهت علينا القبلة فتحرى وصلى كل واحد منا إلى جهة فلما انكشف الضباب فمنا من أصاب ومنا من أخطأ فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت الآية ولم يأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة جابر } وقال رضي الله عنه : قبلة المتحري جهة قصده معناه تجوز صلاته إذا توجه إلى جهة قصده ، والمعنى فيه أنه مؤد لما كلف فيسقط عنه الفرض مطلقا كما لو تيامن أو تياسر ، وبيان الوصف ما قررناه فيما سبق أن المقصود من طلب الجهة ليست عين الجهة إنما المقصود وجه الله تعالى إلا أنه يؤمر بطلب الجهة لتحقيق معنى الابتلاء وما هو المقصود وهو الابتلاء قد تم بتحريه فيسقط عنه ما لزمه من الفرض ، ألا ترى أن في التيامن والتياسر على وجه لا يجوز مع العلم يحكم بجواز صلاته عند التحري للمعنى الذي قلنا فكذلك في الاستدبار ، وإيضاح ما قلنا فيما نقل عن بعض العارفين قال : قبلة البشر علي الكعبة ، وقبلة أهل السماء البيت المعمور ، وقبلة الكرويين الكرسي ، وقبلة حملة العرش العرش ، ومطلوب الكل وجه الله تعالى ، وهذا بخلاف ما إذا ظهرت النجاسة في الثوب أو في الماء لما قلنا إن ذلك مما يمكن الوقوف على حقيقته ، ولأن التوضؤ بالماء النجس ليس بقربة فلا يمكن أداء الواجب به بحال فأما قربة ألا ترى أن الصلاة إلى غير القبلة اختيارا ويؤدي الفرض كذلك عند العذر أيضا وبنحو هذا فرق في الزكاة أيضا أن التصدق على الأب وعلى الغني قربة ولهذا لا يثبت له حق الاسترداد كما قررنا الراكب يتطوع على دابته حيث ما توجهت به