فعليه أن يعيد الصلاة لأن التحري حصل في غير أوانه فإن أوان التحري ما بعد انقطاع الأدلة وقد بقي هنا دليل له وهو السؤال فكان وجود التحري كعدمه فيصير كأنه صلى بعد الشك من غير التحري فلا تجزيه صلاته إلا إذا تبين أنه أصاب فكذا هذا عليه الإعادة لما تبين أنه أخطأ فإن رجل دخل مسجدا لا محراب فيه وقبلته مشكلة وفيه قوم من أهله فتحرى القبلة وصلى ثم علم أنه أخطأ القبلة فصلاته جائزة واستشهد لهذا بمن تبين أنه أصاب فإن كان في الحي قوم من أهله ولم يسألهم حتى تيمم وصلى ثم سألهم فأخبروه لم تجز صلاته ، وإن سألهم فلم يخبروه أو لم يكن بحضرته من يسأله أجزأته صلاته ، وكذلك لو أتي ماء من المياه أو حيا من الأحياء وطلب الماء فلم يجده فتيمم وصلى ثم وجده يتم صلاته [ ص: 196 ] ثم يسأله فإن أخبره أن الماء قريب منه يعيد الصلاة فإن لم يعلم من خبر الماء شيئا فليس عليه إعادة الصلاة ، وقد بينا في كتاب الصلاة هذه الفصول ، والفرق بينهما وبين ما إذا افتتح الصلاة بالتيمم ثم رأى إنسانا فظن أن عنده خبر الماء فليس عليه إعادة الصلاة فأمر القبلة كذلك ، ولم يذكر في الكتاب أن هذا الاشتباه لو كان له سأله في الابتداء فلم يخبره حتى صلى بالتيمم ثم أخبره بمكة ولم يكن بحضرته من يسأله فقد ذكر فصلى بالتحري ثم تبين أنه أخطأ هل يلزمه الإعادة ابن رستم عن رحمهما الله تعالى أنه لا إعادة عليه وهذا هو الأقيس لأنه لما كان محبوسا في بيت وقد انقطعت عنه الأدلة ففرضه التحري ويحكم بجواز صلاته بالتحري فلا تلزمه الإعادة كما لو كان خارج محمد مكة ، وكان رحمه الله تعالى يقول هنا : تلزمه الإعادة لأنه تيقن بالخطأ إذا كان أبو بكر الرازي بمكة .
( قال ) : وكذلك إذا كان بالمدينة لأن القبلة بالمدينة مقطوع بها فإنه إنما نصبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي بخلاف سائر البقاع ولأن الاشتباهبمكة يندر والحكم لا ينبني على النادر فلا يندر تحريه للحكم بالجواز هنا بخلاف سائر البقاع فإن الاشتباه يكثر فيها والأصل في المسائل بعد هذا أن الحكم للغالب لأن المغلوب يصير مستهلكا في مقابلة الغالب ، والمستهلك في حكم المعدوم ، ألا ترى أن الاسم للغالب فإن الحنطة لا تخلو عن حبات الشعير ثم يطلق على الكل اسم الحنطة ، وعلى هذا قالوا في المجوس : لا يحل لأحد أن يشتري لحما ما لم يعلم أنه ذبيحة مسلم وفي القرية التي عامة أهلها مسلمون يحل ذلك بناء للحكم على الغالب ويباح قرية عامة أهلها ولا يحل له ذلك في دار الإسلام ما لم يعلم أنه حربي لكل أحد الرمي في دار الحرب إلى كل من يراه من بعد ما لم يعلم أنه مسلم أو ذمي