وإن كان ضامنا لها ، فإذا لم يؤاجرها ولكنها هلكت في يده لم يضمن في أقوال علمائنا رحمهم الله سواء هلكت من استعماله أو لا ، وهو قول هلكت بعد ما آجرها عمر وعلي رضوان الله عليهم ، وقال وابن مسعود رحمه الله إن هلكت من الاستعمال المعتاد لم يضمن ، وإن هلكت لا من الاستعمال ضمن قيمتها للمالك ، وهو قول الشافعي ابن عباس رضي الله عنهما ، واحتج في ذلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وأبي هريرة } فقد جعل الضمان صفة للعارية . فيقتضي أن يكون صفة لازمة لها كما أن الله تعالى لما جعل القبض صفة للرهن بقوله عز وجل : { العارية مضمونة فرهان مقبوضة } اقتضى أن يكون ذلك صفة لازمة للرهن { صفوان دروعا في حرب هوازن فقال له : أغصبا يا محمد . ؟ قال صلى الله عليه وسلم لا : بل عارية مضمونة مؤداة } { واستعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من وكتب في عهد بني نجران وما تعار رسلي فهلكت على أيديهم فضمانها على رسلي } وقال صلى الله عليه وسلم : { } والأخذ إنما يطلق في موضع يأخذ المرء لمنفعة نفسه ، وذلك موجود في العارية ، وهو المعنى الفقهي أنه لما قبض مال الغير لنفسه لا عن استحقاق تقدم ، فكان مضمونا عليه كالمغصوب والمقبوض على سوم الشراء والمستقرض ، وهذا لأنه لما لم يثبت بهذا العقد استحقاق تسليم العين عرفنا أنه مقصور على المنفعة لا يتعدى إلى العين فصار في حق العين كأنه قبضه بغير إذنه ، بخلاف الإجارة فقد تعدى العقد هناك إلى العين حتى تعلق به استحقاق تسليم العين ، وبخلاف [ ص: 135 ] الوديعة فإن المودع لا يقبض الوديعة لمنفعة نفسه إنما يقبضها لمنفعة المالك ; ولهذا لم يكن عليه مؤنة الرد ، وهو المعتمد لهم ، فإن قبض العارية يوجب ضمان الرد حال قيام العين ، فيوجب ضمان القيمة حال هلاك العين كالقبض بطريق الغصب . على اليد ما أخذت حتى ترد
يقرره أن ضمان الرد إنما يلزمه لأنه يسقط بالرد ضمان العين عن نفسه ، ولما لزمه ضمان الرد فعليه أداء ما لزمه ، ولا يتحقق أداء ذلك إلا برد العين عند قيامه ورد القيمة عند هلاك العين ليصير به مؤديا ما لزمه من ضمان الرد ، وهذا بخلاف ما لو تلف في الاستعمال ; لأن فعله في الاستعمال منقول إلى المالك ، فإنه يستعمل بتسليط المالك فيحصل به الرد معنى ، ويجوز أن يكون العين مضمونا عليه ، ثم يبرأ عن ضمانه بفعل يباشره بتسليط المالك ، كما لو ، فإن هلكت قبل أن يضحي بها ضمنها ، وإن ضحى بها لم يضمن شيئا ، ولا يقال : قبضه بتسليط المالك أيضا ; لأنه يقبض من يد المالك لنفسه ، فلا يمكن أن يجعل فعله في القبض كفعل المالك ، والدليل عليه أنه لو ضمن للمستحق لم يرجع على المعير ، ولو كان يد المستعير في العين كيد المعير لرجع عليه بالمودع ، وحجتنا في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { غصب من غيره شاة فقال له المغصوب منه : ضح بها } والمغل هو الخائن فقد نفى الضمان عن المستعير عند عدم الخيانة ، والمعنى فيه أنه قبض العين للانتفاع به بإذن صحيح ، فلا يكون مضمونا عليه كالمستأجر ، وتأثيره أن وجوب الضمان يكون للجبران ، وذلك لا يتحقق إلا بعد تفويت شيء على المالك ، وبالإذن الصحيح ينعدم التفويت ، ألا ترى أن القبض في كونه موجبا للضمان لا يكون فوق الإتلاف ، ثم الإتلاف بالإذن لا يكون موجبا للضمان فالقبض أولى ، ولا يجوز أن يجب الضمان هناك باعتبار العقد ; لأن العقد عقد تبرع ، فلا يكون عقد ضمان كالهبة ، والدليل عليه أن ما تناوله العقد وهو المنفعة لا يصير مضمونا بهذا العقد فما لم يتناوله العقد أولى ، ولأن العقد على المنفعة إذا كان بعوض ، وهو الإجارة لا يوجب ضمان العين ، وتأثير العوض في تقدير حكم ضمان العقد ، فإذا كان العقد على المنفعة مقرونا بالعوض لا يوجب الضمان ، فالمتعري عن العوض كيف يوجب الضمان . ليس على المستعير غير المغل ضمان ، ولا على المستودع غير المغل ضمان
والدليل عليه أنه لو تلف في الاستعمال لم يضمن ، ولا يجوز أن يجعل فعله كفعل المالك ; لأنه استعمل لمنفعة نفسه ، ولكن إنما لا يضمن لوجود الإذن من المالك في الاستعمال فكذلك للقبض وإن قال بحكم الإذن من المالك في الاستعمال جعل استعماله [ ص: 136 ] كاستعمال المالك ، فبحكم الإذن في القبض والإعطاء ينبغي أن يجعل قبضه كقبض المالك أيضا ، ووجوب ضمان الرد على المستعير ليس لما قال ، بل لأن منفعة النقل حصلت له ، والرد فسخ لذلك النقل ، فكانت المؤنة على من حصلت له منفعة النقل ; ولهذا تجب مؤنة الرد على الموصى له بالخدمة أيضا ، فأما ضمان العين إنما يجب على من فوت شيئا على المالك بقبضه كالغاصب ، ولم يوجد ذلك إذا كان القبض بإذنه ، والمقبوض على سوم الشراء إنما كان مضمونا ضمان العقد ، والإذن يقرر ضمان العقد ، ولأن المالك هناك ما رضي بقبضه إلا بجهة العقد ، ففيما وراء العقد كان المقبوض بغير إذنه ، والمستقرض كذلك ، إنما كان مضمونا بالعقد ، والإذن يقرر ضمان العقد ، وإنما ; لأن الرجوع عند الاستحقاق بسبب الغرور أو بسبب العيب ، وذلك يختص بعقد المعاوضة ، فإنه يقتضي السلامة عن العيب ، فأما عقد التبرع لا يقتضي ذلك ; ولهذا لا يرجع الموهوب له بضمان الغرور عندنا . لا يرجع المستعير بضمان الاستحقاق
( وقوله ) بأنه قبض العين لا عن استحقاق تقدم ( قلنا : ) نعم ، ولكنه قبض العين بحق ، والموجب للضمان القبض بغير حق لما فيه من التفويت على المالك ، وكما أن القبض موجب للضمان فالإتلاف كذلك ، ثم الإتلاف إنما يوجب الضمان إذا حصل بغير حق لا إذا حصل بغير استحقاق تقدم فالقبض مثله والمراد من قوله صلى الله عليه وسلم : { العارية مضمونة } ضمان الرد ، ولأنه جعل الضمان صفة للعين ، وحقيقة ذلك في ضمان الرد ; لأنه يبقى ببقاء الرد ، وحديث صفوان فقد قيل : إنه أخذ تلك الدروع بغير رضاه ، وقد دل عليه قوله : أغصبا يا محمد . ؟ إلا أنه إذا كان محتاجا إلى السلاح كان الأخذ له حلالا ثمة شرعا ، ولكن بشرط الضمان ، كمن أصابته مخمصة له أن يتناول مال الغير بشرط الضمان ، ( وقيل : ) كانت الدروع أمانة لأهل مكة عند صفوان فاستعارها رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته إليها فكان مستعيرا من المودع ، وهو ضامن عندنا ( وقيل : ) المراد ضمان الرد .
( وقوله ) مؤداة تفسير لذلك ، كما يقال : فلان عالم ففيه يعلم باللفظ الثاني أن المراد بالأول علم الفقه . ( وقيل : ) كان هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراط الضمان على نفسه ، والمستعير وإن كان لا يضمن ، ولكن يضمن بالشرط كالمودع على ما ذكره في المنتقى ، ولكن صفوان كان يومئذ حربيا ، ويجوز بين المسلم والحربي من الشرائط ما لا يجوز بين المسلمين ، ( وقيل : ) إنما قال ذلك تطييبا لقلب صفوان على ما روي أنه هلك بعض تلك الدروع فقال : { } ولو كان الضمان واجبا لأمره بالاستيفاء أو الإبراء . صلى الله عليه وسلم : إن شئت غرمناها لك ، فقال : لا ، فإني اليوم [ ص: 137 ] أرغب في الإسلام مما كنت يومئذ
( وقوله صلى الله عليه وسلم ) { وما يعار رسلي فهلك على أيديهم } أي استهلكوه لأنه يقال : هلك في يده إذا كان بغير صنعه على يده إذا استهلكه .
( وقوله صلى الله عليه وسلم ) { } يقتضي وجوب رد العين ، ولا كلام فيه إنما الكلام في وجوب ضمان القيمة بعد هلاك العين . على اليد ما أخذت حتى ترد