باب صلاة المريض قوله تعالى : { الأصل في صلاة المريض الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } قال الضحاك في تفسيره : هو بيان حال المريض في أداء الصلاة على حسب الطاقة { يعوده في مرضه فقال : كيف أصلي فقال عليه الصلاة والسلام : صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى الجنب تومئ إيماء ، فإن لم تستطع فالله أولى بالعذر عمران بن حصين } أي بقبول العذر منك ، ولأن الطاعة على حسب الطاقة قال الله تعالى : { ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } و لقوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } . فإذا عرفنا هذا فنقول : يصلي قائما ، فإذا عجز عن القيام يصلي قاعدا بركوع وسجود ، وإذا كان عاجزا عن القعود يصلي بالإيماء ; لأنه وسع مثله ، فإن كان قادرا على القيام في أول الصلاة وعجز عن القيام فإنه يقعد ، وفرق بين هذا وبين الصوم ، فإن المريض إذا كان قادرا على الصوم في بعض اليوم ثم عجز ، فإنه لا يصوم أصلا وهنا يصلي . المريض إذا كان قادرا على القيام
وجه الفرق بينهما ، وذلك لأن في الصوم لما أفطر في آخر اليوم لم يكن فعله في أول اليوم معتدا فلا يشتغل به ، وفي الصلاة وإن [ ص: 213 ] قعد في آخره ، ولكن فعله في أول الصلاة وقع معتدا فيشتغل به ، وأما إذا ، فإنه يصلي قاعدا بإيماء وسقط عنه القيام ; لأن هذا القيام ليس بركن ; لأن القيام إنما شرع لافتتاح الركوع والسجود به ، فكل قيام لا يعقبه سجود لا يكون ركنا ، ولأن الإيماء إنما شرع للتشبه بمن يركع ويسجد والتشبه بالقعود أكثر ، ولهذا قلنا بأن المومئ يجعل السجود أخفض من ركوعه ; لأن ذلك أشبه بالسجود إلا أن كان قادرا على القيام وعاجزا عن الركوع والسجود بشرا يقول : إنما سقط عنه بالمرض ما كان عاجزا عن إتيانه ، فأما فيما هو قادر عليه لا يسقط عنه ، ولكن الانفصال عنه على ما بينا إن يصلي بالإيماء مضطجعا مستلقيا على قفاه ووجهه نحو القبلة عند علمائنا رحمهم الله تعالى وهو مذهب كان عاجزا عن القعود رضي الله عنهما ، وقال عبد الله بن عمر رحمه الله تعالى يضطجع على جنبه الأيمن ووجهه نحو القبلة ، واحتج بحديث الشافعي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عمران بن حصين } فالنبي صلى الله عليه وسلم نص على الجنب ، ولأن فيما قلنا وجهه إلى القبلة ، وكما إذا احتضر يضطجع على شقه الأيمن هكذا يصلي أيضا ، وكذلك يوضع في القبر هكذا ، إلا أن أصحابنا قالوا بأنه إذا استلقى على قفاه كان أقرب إلى استقبال القبلة فالجانبان منه إلى القبلة ووجهه إلى ما هو القبلة ، وفيما قاله فعلى الجنب تومئ إيماء رحمه الله تعالى وجهه إلى رجله وذا ليس بقبلة ، وكذلك إذا قدر على القيام فوجهه أيضا يكون إلى القبلة بخلاف ما إذا احتضر ، فإن هناك لم يكن مرضه على شرف الزوال فاقتربا من هذا الوجه . وأما الجواب عن احتجاجه بحديث الشافعي رضي الله تعالى عنه فلما قيل بأن مرضه كان باسورا فلا يمكنه أن يستلقي على قفاه . والثاني وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { عمران بن حصين } يعني ساقطا على الجنب كقوله : { فعلى الجنب تومئ إيماء فإذا وجبت جنوبها } أي سقطت فكذلك هنا .