وإذا فعند أقر الرجل على نفسه بمائة درهم في موطن وأشهد شاهدين ، ثم أقر له بمائة درهم في موطن آخر وأشهد شاهدين آخرين رحمه الله يلزمه المالان [ ص: 10 ] جميعا ، وعلى قول أبي حنيفة أبي يوسف رحمهما الله لا يلزمه إلا مال واحد ، وذكر في بعض نسخ ومحمد أبي سليمان أن أبا يوسف رحمه الله كان يقول أولا بقول ، ثم يرجع على قول أبي حنيفة رحمهما الله . وجه محمد قولهما أن الإقرار خبر ، وهو مما يتكرر ويكون الثاني هو الأول فلا يلزمه بالتكرار مال آخر بل قصده من هذا التكرار أن يؤكد حقه بالزيادة في الشهود ( ألا ترى ) أن الإقرارين لو كانا في مجلس واحد . وكذلك لو كان أشهد على كل إقرار شاهدا واحدا أو لم يشهد على واحد من الإقرارين لم يلزمه إلا مال واحد ، وكذلك لو لا يلزمه إلا مال واحد أراد صكا على الشهود وأقر به عند كل فريق منهم أو أقر بالمائة وأشهد شاهدين ، ثم قدمه إلى القاضي فأقر به رحمه الله يقول ذكر المائة في كلامه منكر ، والمنكر إذا أعيد منكرا كان الثاني غير الأول ، قال الله تعالى { وأبو حنيفة فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا } فإن الثاني غير الأول حتى قال رضي الله عنهما : لن يغلب عسر يسرين فصار هذا بمنزلة ما لو كتب لكل واحد منهما صكا على حدة وأشهد على كل صك شاهدين ، وهذا لأن كلام العاقل مهما أمكن حمله على الإفادة لا يحمل التكرار والإعادة ابن عباس
فإذا صار المال الأول مستحكما بشهادة شاهدين فلو حملنا إقراره الثاني على ذلك المال كان تكرارا غير مفيد ولو حملناه على مال آخر كان مفيدا بخلاف ما لو أشهد على كل إقرار شاهدا واحدا ; لأن بالشاهد الواحد المال لا يصير مستحكما ففائدة إعادته استحكام المال بإتمام الحجة ، وكذلك لو أقر به ثانيا بين يدي القاضي ; لأن فائدة الإعادة إسقاط مؤنة الإثبات بالبينة عن المدعي مع أن المدعي ادعى تلك المائة فأعاده معرفا لا منكرا والمنكر إذا أعيد معرفا كان الثاني هو الأول قال الله تعالى { كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول } وبخلاف ما إذا أراد الصك على الشهود ; لأن الإقرار هنا كان معرفا بالمال الثابت في الصك ، وقد ذكرنا أن المنكر إذا أعيد معرفا كان الثاني عين الأول ، فأما إذا كان الإقرار في مجلس واحد في القياس على قول رحمه الله يلزمه مالان ، ولكنه استحسن ، فقال : للمجلس أن يتبصر في جميع الكلمات المتفرقة وجعلها في حكم كلام واحد ( ألا ترى ) الأقارير في الزنا في مجلس واحد بخلاف ما إذا اختلف المجلس فكذلك هنا ، وعلى هذا الخلاف لو أبي حنيفة عند أقر بمائة في مجلس وأشهد شاهدين ، ثم ثمانين وأشهد شاهدين في مجلس آخر أو بمائتين ، ثم بمائة رحمه الله يلزمه المالان أبي حنيفة وعندهما يدخل الأقل في الأكثر فعليه أكثر المالين فقط .