ثم ذكر بعد هذا مسائل قد بينا أكثرها في الحدود ، فقال يضرب الشارب الحد بالسوط في إزار ، وسراويل ليس عليه غيرها ; لأن جنايته مغلظة كجناية الزاني ، فينزع عنه ثيابه عند إقامة الحد عليه ليخلص الألم إلى بدنه ، والمرأة في حد الشرب كالرجل على قياس حد الزنا ، ويفرق الضرب على
[ ص: 30 ] أعضائها كما في حق الرجل إلا أنها لا تجرد عن ثيابها ; لأن بدنها عورة ، وكشف العورة حرام ، ولكن ينزع عنها الحشو ، والفرو لكي يخلص الألم إلى بدنها ، فإن لم يكن عليها غير جبة محشوة لم ينزع ذلك عنها ; لأن كشف العورة لا يحل بحال ، وكذلك لا يطرح عنها خمارها ، وتضرب قاعدة ليكون أستر لها هكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه يضرب الرجال قياما ، والنساء قعودا .
والأصل في
nindex.php?page=treesubj&link=10077حد الشرب ما روي {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81430أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشارب خمر ، وعنده أربعون رجلا ، فأمرهم أن يضربوه ، فضربوه ، كل رجل منهم بنعليه } ، فلما كان زمان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه جعل ذلك ثمانين سوطا ، والخبر ، وإن كان من أخبار الآحاد ، فهو مشهور ، وقد تأكد باتفاق الصحابة رضي الله عنهم إنما العمل به في زمن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه ، فإنه جعل حد الشرب ثمانين سوطا من هذا الحديث ; لأنه لما ضربه كل رجل منهم بنعليه كان الكل في معنى ثمانين جلدة ، والإجماع حجة موجبة للعلم ، فيجوز إثبات الحد به ، وفيما يجب عليه الحد بالسكر ، فحد السكر الذي يتعلق به الحد عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أن لا يعرف الأرض من السماء ، ولا الأنثى من الذكر ، ولا نفسه من حمار ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد أن يختلط كلامه ، فلا يستقر في خطاب ، ولا جواب ، واعتبر العرف في ذلك ، فإن من اختلط كلامه بالشرب يسمى سكران في الناس ، وتأيد ذلك بقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون }
nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة رحمه الله اعتبر النهاية ، فقال في الأسباب الموجبة للحد تعتبر النهاية كما في السرقة ، والزنا ، ونهاية السكر هذا أن يغلب السرور على عقله حتى لا يميز شيئا عن شيء .
وإذا كان يميز بين الأشياء عرفنا أنه مستعمل لعقله مع ما به من السرور ، ولا يكون ذلك نهاية السكر ، وفي النقصان شبهة العدم ، والحدود تندرئ بالشبهات ، ولهذا ، وافقهما في السكر الذي يحرم عنده الشرب إذ المعتبر اختلاط الكلام ; لأن اعتبار النهاية فيه يندرئ بالشبهات ، والحل ، والحرمة يؤخذ فيهما بالاحتياط ، وأيد هذا ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : من بات سكرانا بات عروس الشيطان ، فعليه أن يغتسل إذا أصبح ، وهذا إشارة إلى أن السكران من لا يحس بشيء مما يصنع به ، وأكثر مشايخنا - رحمهم الله - على قولهما ، وحكي أن أئمة
بلخي رحمهم الله اتفقوا على أنه يستقرأ سورة من القرآن ، فإن أمكنه أن يقرأها ، فليس بسكران حتى حكي أن أميرا
ببلخ أتاه بعض الشرط بسكران ، فأمره الأمير أن يقرأ {
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قل يا أيها الكافرون } ، فقال السكران للأمير : اقرأ أنت سورة الفاتحة أولا ، فلما قال الأمير {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2 : الحمد لله رب العالمين } : فقال قف ، فقد أخطأت من وجهين تركت التعوذ عند افتتاح القراءة ، وتركت التسمية
[ ص: 31 ] وهي آية من الفاتحة عند بعض الأئمة ، والقراء ، فخجل الأمير ، وجعل يضرب الشرطي الذي جاء به ، ويقول له أمرتك أن تأتيني بسكران ، فجئتني بمقرئ
بلخي . ، وإذا شهد عليه الشهود بالشرب ، وهو سكران حبسه حتى يصحو ; لأن ما هو المقصود لا يتم بإقامة الحد عليه في حال سكره ، وقد بينا هذا ،
nindex.php?page=treesubj&link=10077والمملوك فيما يلزمه من الحد بالشرب كالحر إلا أن على المملوك نصف ما على الحر لقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25، فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } .
ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا مَسَائِلَ قَدْ بَيَّنَّا أَكْثَرَهَا فِي الْحُدُودِ ، فَقَالَ يُضْرَبُ الشَّارِبُ الْحَدَّ بِالسَّوْطِ فِي إزَارٍ ، وَسَرَاوِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا ; لِأَنَّ جِنَايَتَهُ مُغَلَّظَةٌ كَجِنَايَةِ الزَّانِي ، فَيُنْزَعُ عَنْهُ ثِيَابُهُ عِنْدَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لِيَخْلُصَ الْأَلَمُ إلَى بَدَنِهِ ، وَالْمَرْأَةُ فِي حَدِّ الشُّرْبِ كَالرَّجُلِ عَلَى قِيَاسِ حَدِّ الزِّنَا ، وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى
[ ص: 30 ] أَعْضَائِهَا كَمَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ إلَّا أَنَّهَا لَا تُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهَا ; لِأَنَّ بَدَنَهَا عَوْرَةٌ ، وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ ، وَلَكِنْ يُنْزَعُ عَنْهَا الْحَشْوُ ، وَالْفَرْوُ لِكَيْ يَخْلُصَ الْأَلَمُ إلَى بَدَنِهَا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَيْرُ جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ لَمْ يُنْزَعْ ذَلِكَ عَنْهَا ; لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ ، وَكَذَلِكَ لَا يُطْرَحُ عَنْهَا خِمَارُهَا ، وَتُضْرَبُ قَاعِدَةً لِيَكُونَ أَسْتَرَ لَهَا هَكَذَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُضْرَبُ الرِّجَالُ قِيَامًا ، وَالنِّسَاءُ قُعُودًا .
وَالْأَصْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=10077حَدِّ الشُّرْبِ مَا رُوِيَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=81430أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِشَارِبِ خَمْرٍ ، وَعِنْدَهُ أَرْبَعُونَ رَجُلًا ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوهُ ، فَضَرَبُوهُ ، كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِنَعْلَيْهِ } ، فَلَمَّا كَانَ زَمَانُ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَ ذَلِكَ ثَمَانِينَ سَوْطًا ، وَالْخَبَرُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ ، فَهُوَ مَشْهُورٌ ، وَقَدْ تَأَكَّدَ بِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إنَّمَا الْعَمَلُ بِهِ فِي زَمَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنَّهُ جَعَلَ حَدَّ الشُّرْبِ ثَمَانِينَ سَوْطًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا ضَرَبَهُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِنَعْلَيْهِ كَانَ الْكُلُّ فِي مَعْنَى ثَمَانِينَ جَلْدَةً ، وَالْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ مُوجِبَةٌ لِلْعِلْمِ ، فَيَجُوزُ إثْبَاتُ الْحَدِّ بِهِ ، وَفِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِالسُّكْرِ ، فَحَدُّ السُّكْرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يَعْرِفَ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ ، وَلَا الْأُنْثَى مِنْ الذَّكَرِ ، وَلَا نَفْسَهُ مِنْ حِمَارٍ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٍ أَنْ يَخْتَلِطَ كَلَامُهُ ، فَلَا يَسْتَقِرُّ فِي خِطَابٍ ، وَلَا جَوَابٍ ، وَاعْتُبِرَ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّ مَنْ اخْتَلَطَ كَلَامُهُ بِالشُّرْبِ يُسَمَّى سَكْرَانَ فِي النَّاسِ ، وَتَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ }
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ اعْتَبَرَ النِّهَايَةَ ، فَقَالَ فِي الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ تُعْتَبَرُ النِّهَايَةُ كَمَا فِي السَّرِقَةِ ، وَالزِّنَا ، وَنِهَايَةُ السُّكْرِ هَذَا أَنْ يَغْلِبَ السُّرُورُ عَلَى عَقْلِهِ حَتَّى لَا يُمَيِّزَ شَيْئًا عَنْ شَيْءٍ .
وَإِذَا كَانَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ عَرَفْنَا أَنَّهُ مُسْتَعْمِلٌ لِعَقْلِهِ مَعَ مَا بِهِ مِنْ السُّرُورِ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ نِهَايَةُ السُّكْرِ ، وَفِي النُّقْصَانِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ ، وَالْحُدُودُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَلِهَذَا ، وَافَقَهُمَا فِي السُّكْرِ الَّذِي يَحْرُمُ عِنْدَهُ الشُّرْبُ إذْ الْمُعْتَبَرُ اخْتِلَاطُ الْكَلَامِ ; لِأَنَّ اعْتِبَارَ النِّهَايَةِ فِيهِ يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَالْحِلُّ ، وَالْحُرْمَةُ يُؤْخَذُ فِيهِمَا بِالِاحْتِيَاطِ ، وَأَيَّدَ هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَنْ بَاتَ سَكْرَانًا بَاتَ عَرُوسَ الشَّيْطَانِ ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ إذَا أَصْبَحَ ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ السَّكْرَانَ مَنْ لَا يُحِسُّ بِشَيْءٍ مِمَّا يُصْنَعُ بِهِ ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ - عَلَى قَوْلِهِمَا ، وَحُكِيَ أَنَّ أَئِمَّةَ
بَلْخِي رَحِمَهُمُ اللَّهُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَقْرَأُ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا ، فَلَيْسَ بِسَكْرَانَ حَتَّى حُكِيَ أَنَّ أَمِيرًا
بِبَلْخٍ أَتَاهُ بَعْضُ الشُّرَطِ بِسَكْرَان ، فَأَمَرَهُ الْأَمِيرُ أَنْ يَقْرَأَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=109&ayano=1قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ، فَقَالَ السَّكْرَانُ لِلْأَمِيرِ : اقْرَأْ أَنْتَ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ أَوَّلًا ، فَلَمَّا قَالَ الْأَمِيرُ {
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2 : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } : فَقَالَ قِفْ ، فَقَدْ أَخْطَأْت مِنْ وَجْهَيْنِ تَرَكْت التَّعَوُّذَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الْقِرَاءَةِ ، وَتَرَكْت التَّسْمِيَةَ
[ ص: 31 ] وَهِيَ آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ ، وَالْقُرَّاءِ ، فَخَجِلَ الْأَمِيرُ ، وَجَعَلَ يَضْرِبُ الشُّرَطِيَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ ، وَيَقُولُ لَهُ أَمَرْتُك أَنْ تَأْتِيَنِي بِسَكْرَانَ ، فَجِئْتنِي بِمُقْرِئِ
بَلْخِي . ، وَإِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ بِالشُّرْبِ ، وَهُوَ سَكْرَانُ حَبَسَهُ حَتَّى يَصْحُوَ ; لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَا يَتِمُّ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ فِي حَالِ سُكْرِهِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=10077وَالْمَمْلُوكُ فِيمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْحَدِّ بِالشُّرْبِ كَالْحُرِّ إلَّا أَنَّ عَلَى الْمَمْلُوكِ نِصْفُ مَا عَلَى الْحُرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25، فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } .