ص ( فصل نقض الوضوء بحدث وهو الخارج المعتاد في الصحة )
ش هذا الفصل يذكر فيه نواقض الوضوء وتسمى موجبات الوضوء أيضا واختار التعبير به غير واحد ، قال ابن عبد السلام وجمع القاضي عبد الوهاب في التلقين بين العبارتين فقال : باب بعد صحته فكأنه رأى أن الموجب لا يتناول إلا الحدث السابق على الوضوء والناقض لا يكون إلا متأخرا عن الوضوء والنواقض جمع ناقض وناقض الشيء ونقيضه ما لا يمكن اجتماعه معه قال في التوضيح وتعبير ما يوجب الوضوء وما ينقضه بالنواقض أولى من تعبير غيره بما يوجب الوضوء ; لأن الناقض لا يكون إلا متأخرا عن الوضوء بخلاف الموجب فإنه قد يسبق ، انتهى . يعني وكان ابن الحاجب المصنف لما ذكر هذه بعد الكلام على الوضوء ناسب أن يعبر عنها بالنواقض وإلا فالتعبير بالموجب أولى فيما يظهر ; لأنه يصدق على السابق وعلى المتأخر وأيضا فالتعبير بالنقض قد يوهم بطلان الطهارة السابقة وإذا بطلت بطل ما فعل بها من العبادة ولهذا قال سند في باب غسل الجنابة [ ص: 291 ] لما تكلم على الرفض : لا نقول : إن الطهارة بطلت بالحدث ، ولكن انتهى حكمها كما ينتهي حكم النكاح بالموت ، ولهذا إذا توضأ وإنما يتوضأ للحدث الثاني لا الحدث الأول انتهى ثم قال في التوضيح : وفاعل إذا لم يكن وصفا لمذكر عاقل يجوز جمعه على فواعل كخارج وخوارج وطالق وطوالق نص عليه قال سيبويه ابن مالك في شرح الكافية : وقد غلط فيه كثير من المتأخرين فعدوه مسموعا وليس كذلك قال : وقول ابن عبد السلام في صحة هذا الجمع نظر ، وكذلك قال في مواضع في باب الفرائض : إن أراد به أنه لا يصح فقد تبين أن ذلك غلط وإذا أراد فيه كلاما في العربية من حيث الجملة فقريب ، انتهى .
ونواقض الوضوء ( أحداث ) وأسباب فالأحداث جمع حدث وهو ما ينقض الوضوء بنفسه ( والأسباب ) جمع سبب والسبب في اللغة : الحبل ومنه قوله تعالى { فليمدد بسبب إلى السماء } أي فليمدد بحبل إلى سقف بيته فإن السقف يسمى سماء لعلوه ثم استعمل السبب في علة الشيء المؤدية إليه والسبب في عرف الفقهاء في نواقض الوضوء هو ما أدى إلى خروج الحدث كالنوم المؤدي إلى خروج الريح مثلا واللمس والمس المؤديان إلى خروج المذي وتقدم في أول كتاب الطهارة أن الحدث يطلق على أربعة معان : أحدها هذا وهو الخارج المعتاد على سبيل الصحة والاعتياد وهذا معنى قوله : وهو الخارج المعتاد في الصحة فتمم ذلك بقوله بعد هذا من مخرجيه إلخ قوله : وهو الخارج أفاد به أن الداخل غير حدث ولا سبب فلا ينتقض الوضوء بحقنة ، ومغيب الحشفة موجب لما هو أعم فلا يعترض به قاله الشيخ زروق في شرح الرسالة ، والله تعالى أعلم .
( فرع ) قال في الذخيرة : مذي المرأة بلة تجدها فيجب بها الوضوء انتهى من شرح الرسالة المتقدم وفي الجزولي الكبير ابن حبيب : مذي المرأة بلة تخرج عند الشهوة ووديها يخرج بأثر البول انتهى .
ص ( لا حصى ودود ولو ببلة )
ش : يريد وكذلك الدم وسواء خرج من الدبر أو من ذكر الرجل نقله ابن عرفة وتقدم غسل ذلك والاستجمار منه عند قول المصنف ، وتعين في مني .
( فرع ) قال ابن فرحون في شرح : لو خرج الولد جافا بغير دم فهل ينقض الوضوء أم لا قولان مبنيان على القولين في وجوب الغسل ، انتهى . ولعل صواب العبارة مفرعان على القول بنفي وجوب الغسل والله تعالى أعلم . ابن الحاجب
ص ( وبسلس فارق أكثر كسلس مذي قدر على رفعه وندب إن لازم أكثر لا إن شق )
ش هذا راجع إلى قوله في الصحة فإن مفهومه أن ما خرج من ذلك على وجه السلس لا ينقض مطلقا ، وهذه طريقة العراقيين من أصحابنا أن ما خرج على وجه السلس لا ينقض الوضوء مطلقا وإنما يستحب منه الوضوء . وذكر رواية شاذة أن السلس ينقض مطلقا والمشهور من المذهب طريقة المغاربة أن السلس على أربعة أقسام : ( الأول ) أن يلازم ولا يفارق فلا يجب الوضوء ولا يستحب إذ لا فائدة فيه فلا ينتقض وضوء صاحبه بالبول المعتاد . المازري
( الثاني ) أن يكون ملازمته أكثر من مفارقته فيستحب الوضوء إلا أن يشق ذلك عليه لبرد أو ضرورة فلا يستحب .
( الثالث ) أن يتساوى إتيانه [ ص: 292 ] ومفارقته ففي وجوب الوضوء واستحبابه قولان : قال ابن رشد القفصي : والمشهور لا يجب وقال : الظاهر الوجوب . ابن هارون
( الرابع ) أن تكون مفارقته أكثر فالمشهور وجوب الوضوء خلافا للعراقيين فإنه عندهم مستحب .
( تنبيهان الأول ) كلام المصنف موف ببيان حكم الأقسام الأربعة وبيان ما يجب فيه الوضوء وما لا يجب وما يستحب وما لا يستحب ; لأنه قال : وبسلس فارق أكثر ، فأفاد أن الوضوء ينقض بخروج الحدث على وجه السلس إذا كانت مفارقته أكثر ، وعلم من مفهوم الصفة أعني قوله : فارق أكثر أنه لا ينقض في الأوجه الثلاثة الباقية وهي ما إذا تساوى إتيانه وانقطاعه أو كان إتيانه أكثر أو كان ملازما لا يفارق وأنه مشى على ما شهره ابن راشد في مسألة التساوي ، ثم بين أنه يستحب الوضوء إذا كانت ملازمته أكثر من انقطاعه ما لم يشق وفهم من ذلك أنه يستحب مع التساوي من باب الأولى فهو مفهوم الموافقة الذي يتعين العمل به وفهم منه أنه لا يستحب إذا كان لا يفارق أصلا ، فلله دره ما أخصر عبارته وما ألطف إشارته وكم فيه من مثل هذا الاختصار العجيب الدال على أنه أخذ من التحقيق بأوفر نصيب . وجميع ما ذكر في شرح كلام المصنف نص عليه في التوضيح .
( الثاني ) قال في التوضيح أيضا هذا التقسيم لا يخص حدثا دون حدث وقد قال الإبياني فيمن بجوفه علة وهو شيخ يستنكحه الريح : إنه كالبول ، وسئل اللخمي عن رجل إن توضأ انتقض وضوءه وإن تيمم لم ينتقض فأجاب بأنه يتيمم . ورده ابن بشير بأنه قادر على استعمال الماء وما يرد عليه يمنع كونه ناقضا ، انتهى . واقتصر ابن عرفة على كلام اللخمي ولم يحك خلافه ذكره في نواقض الوضوء وحكى في الشامل في ذلك عن المتأخرين قولين ولفظ اللخمي في تبصرته ، وقد سئلت عن رجل إن توضأ لم تسلم له صلاته حتى تنتقض طهارته وإن تيمم لم يحدث به شيء حتى يتم صلاته ورأيت أن صلاته بالتيمم أولى ذكره في نواقض الوضوء .
قلت والظاهر ما قاله ابن بشير الإبياني وسيأتي في كتاب الصلاة عند قول المصنف في فصل القيام كخروج ريح أن في قول محمد فيمن لا يملك خروج الريح إذا قام أن القيام يسقط عنه نظر أو أن خروج الريح على هذا الوجه سلس لا يوجب الوضوء وسيأتي في باب التيمم عن الطليطلي عند قول المصنف ذو مرض ما يساعد كلام اللخمي ، وأما قول المصنف كسلس مذي قدر على رفعه فيشير به إلى أن سلس المذي إذا كان صاحبه قادرا على رفعه ينقض الوضوء ولا يفصل فيه ، قال في التوضيح في شرح قول : وإن كثر المذي للعزبة أو التذكر فالمشهور الوضوء . وفي قابل التداوي قولان ما نصه قال ابن الحاجب ابن عبد السلام : الخلاف إنما هو في القادر لا كما يعطيه كلام المصنف وينبغي أن يكون في زمن طلب النكاح ، وشراء السرية معذور أو جعل قوله وفي قابل التداوي قولان راجعا إلى سلس البول خليل وفيه نظر لأني لم أر أحدا ذكر هذا في البول انظر بقية كلامه ، وقال ابن فرحون في شرح : ومن سلس بوله وكان قادرا على العلاج ففيه القولان المذكوران في القادر على رفع سلس المذي بالتسري والتزويج ، انتهى . ابن الحاجب
( فرع ) قال في المنتقى : سلس المني لا يجب منه الوضوء ذكره في إعادة الجنب الصلاة والغسل ، والله أعلم . وقال الشيخ زروق : قد يخرج المني بلا لذة ولا إنعاظ وهذا لا يجب به شيء على المشهور ، انتهى ، وهذا والله أعلم .