الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وللمغرب غروب الشمس تقدر بفعلها بعد شروطهما ) .

                                                                                                                            ش لما فرغ من بيان وقت العصر شرع يتكلم على بيان وقت صلاة المغرب وسميت بذلك لكونها تقع عند الغروب وتسمى صلاة الشاهد واختلف في وجه تسميتها بذلك فقيل : لأن المسافر لا يقصرها ويصليها كصلاة الشاهد وهو الحاضر قاله مالك في العتبية نقله عنه في النوادر وعليه اقتصر في الرسالة ونقضه الفاكهاني بالصبح [ ص: 392 ]

                                                                                                                            ( قلت : ) ولا يلزم ذلك ; لأن وجه التسمية لا يلزم اطراده ، وقيل : سميت بذلك ; لأن نجما يطلع عند الغروب يسمى الشاهد وذكر الجزولي في ذلك حديثا { أنه صلى الله عليه وسلم ذكر العصر ثم قال : لا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد } وذكر ابن ناجي عن التونسي أنه قال الذي جاء في الحديث أن الشاهد النجم أولى بالصواب مما قاله مالك ، وقيل : سميت بذلك ; لأن من حضرها يصليها ، ولا ينتظر من غاب ، وأما تسميتها عشاء فقد ورد النهي عنه في صحيح البخاري ونصه : { لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب قال وتقول الأعراب هي العشاء } وقال في التنبيهات : ولا يقال : لها عشاء لا لغة ، ولا شرعا ، وقد جاء النهي في الصحيح عن تسميتها عشاء انتهى . لكن نقل ابن حجر في شرح البخاري عن ابن المنير المالكي أنه إنما كره ذلك للالتباس بالصلاة الأخرى فلا يكره أن تسمى بالعشاء الأولى قال ونقل ابن بطال عن غيره أنه لا يقال للمغرب العشاء الأولى ويحتاج إلى دليل خاص انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) وفهم من كلام ابن المنير أن النهي عن ذلك على سبيل الكراهة وذكر الجزولي عن ابن حاتم نحو ما تقدم عن التنبيهات أنها لا تسمى عشاء لا لغة ولا شرعا قال لكن يرد عليه بالحديث { إذا حضر العشاء والعشاء فابدءوا بالعشاء } قال : وهذا إنما هو في المغرب انتهى . ( قلت : ) هذا الحديث قال السخاوي في المقاصد الحسنة قال العراقي في شرح الترمذي لا أصل له في كتب الحديث بهذا اللفظ وأصل الحديث في المتفق عليه بلفظ { إذا وضع العشاء وأقيمت فابدءوا بالعشاء } انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) هذا لفظ البخاري في كتاب الصلاة ولفظ مسلم في كتاب الصلاة أيضا { إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء } لكن ذكره ابن الأثير في النهاية باللفظ الذي ذكره الجزولي وقال العشاء بالفتح الطعام وأراد بالعشاء صلاة المغرب ; لأنها وقت الإفطار ولضيق وقتها انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) ولا يحتج لتسميتها عشاء بقوله في المدونة ونومه راكبا قدر ما بين العشاءين طول ووقع ذلك في عبارة المصنف وغيره من الفقهاء ; لأن ذلك من باب التغليب وقال ابن حجر في شرح البخاري ، ولا يتناول النهي تسميتها عشاء على التغليب كما إذا قال صليت العشاءين انتهى .

                                                                                                                            ( فصل ) ولا خلاف أن أول وقتها غروب الشمس وأجمعت الأمة على أنه لا يجوز فعلها قبل الغروب بحال والمراد بالغروب غروب قرص الشمس جميعه بحيث لا يرى منه شيء لا من سهل ، ولا من جبل فإنها قد تغيب عمن في الأرض وترى من رءوس الجبال قال سند الغروب أن تغرب آخر دور الشمس في العين الحمئة ويقبل سواد الليل من المشرق انتهى . وهذا يشير إلى ما تقدم أن الغروب الشرعي هو غروب جميع قرص الشمس ، والغروب عند أهل الميقات غروب مركز الشمس . وتقدم أن الشرعي يحصل بعد الفلكي بنحو نصف درجة ، ولا بد من تمكين بعد ذلك حتى يتحقق الوقت بإقبال ظلمة الليل من المشرق كما تقدم وقال ابن بشير ووقت المغرب إذا غاب قرص الشمس بموضع لا جبال فيه فأما موضع تغرب فيه خلف جبال فينظر إلى جهة المشرق فإذا طلعت الظلمة كان دليلا على مغيب الشمس انتهى . وقال في الجواهر والمراعى غيبوبة جرمها وقرصها دون أثرها وشعاعها وقاله ابن الحاجب قال ابن فرحون : ولا عبرة بمغيب قرصها عمن في الأرض حتى تغيب عمن في رءوس الجبال والمعتمد في ذلك إنما هو إقبال ظلمة الليل من جهة المشرق لقوله عليه الصلاة والسلام : { إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم } ، ولا عبرة بأثرها وهو الحمرة فإن ذلك يتأخر انتهى . فلا يضر بقاء شعاعها في الجدارات خلافا للماوردي من الشافعية فإنه اشترط سقوطه وهو الضوء المستعلي كالمتصل بها قال الدميري : والإجماع منعقد على خلاف دعواه .

                                                                                                                            ص ( تقدر [ ص: 393 ] بفعلها بعد شروطها )

                                                                                                                            ش : يعني أن وقت المغرب غير ممتد بل يقدر بما يسع فعلها بعد شروطها واختلف هل وقتها متحد ، أو ممتد إلى غروب الشفق الأحمر روايتان قال ابن الحاجب رواية الاتحاد أشهر قال في التوضيح قال في الاستذكار الاتحاد هو المشهور انتهى . وقال صاحب الطراز : إنه ظاهر المدونة ورواه البغداديون عن مالك وقال في الجواهر : إنه رواية ابن عبد الحكم وقول ابن المواز وعزاه ابن عرفة للمشهور ودليله ما في حديث إمامة جبريل عليه الصلاة والسلام بالنبي صلى الله عليه وسلم { أنه صلى به المغرب في اليومين في وقت واحد } ، والرواية الأخرى أن وقتها ممتد وهي مذهبه في الموطإ قال فيها إذا ذهبت الحمرة فقد وجبت العشاء وخرجت من وقت المغرب قال في الطراز وكذلك قال أشهب في مدونته : يجوز لمن كان في الحضر أن يؤخر المغرب إلى أن يغيب الشفق ثم يصليها وآخر يصلي العشاء إذا غاب الشفق يكون وقتا مشتركا بينهما كما يشترك الظهر والعصر في أول القامة الثانية ، وهذا اختيار الباجي وقد وقع في المدونة ما يتضمن ذلك في الذي يخرج من قرية يريد قرية أخرى وهو غير مسافر وعلى غير وضوء فتغيب الشمس ، ولا ماء معه قال إن طمع بإدراك الماء قبل مغيب الشفق لم يتيمم وأخر الصلاة ، وإن لم يطمع به تيمم وعلى هذا المذهب أكثر الناس وفي صحيح مسلم وقت المغرب إلى أن تغيب حمرة الشفق وفي البخاري : { إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب } فهذا يقتضي أن وقتها متسع ، ولأنها يجمع بينها وبين العشاء وهذه إمارة اتصال وقتيهما كالظهر والعصر وما لا يتصل وقتاهما لا يجمع بينهما كالعصر والمغرب والصبح والظهر انتهى باختصار .

                                                                                                                            ودليل هذا القول ما وقع في صحيح مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي في حديث السائل عن وقت الصلاة أنه صلاها في الأول حين غاب الشمس وفي الثاني عند سقوط الشفق وفي رواية قبل أن يغيب الشفق وفي رواية للنسائي حين غاب الشفق وفي صحيح مسلم : { إذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق } وفي رواية ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق وقوله ثور الشفق بالثاء المثلثة أي : ثورانه وانتشاره وفي رواية أبي داود فور بالفاء وهو بمعناه ولفظ المدونة والمغرب إذا غابت الشمس للمقيمين ، وأما المسافرون فلا بأس أن يمدوا الميل ونحوه ثم ينزلوا ويصلوا فأخذ بعض الشيوخ من هذا أن وقتها ممتد وأخذ أيضا من مسألة المتيمم التي ذكرناها وأخذ أيضا من تأخيرها للجمع ليلة المطر ومن قوله في المدونة في الجمع بين المغرب والعشاء للمسافر ويجمع بين العشاءين بمقدار ما تكون المغرب في آخر وقتها قبل مغيب الشفق والعشاء في أول وقتها بعد مغيب الشفق فهذه أربع مواضع من المدونة أخذ منها أن وقتها ممتد ، ورد الأخذ من المسألة الأولى بأن التأخير للمسافر من باب الأعذار والرخص كالقصر والفطر وهو خارج من هذا الباب قاله في التلقين .

                                                                                                                            ( قلت : ) ونحوه للشيخ أبي الحسن الصغير قال : وكذلك التأخير ليلة الجمع إنما هو للعذر ونقله عنه ابن ناجي وقال : الصواب أن الإقامة من هنا واضحة يعني مسألة المسافر انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) وأما مسألة التيمم فالأخذ منها قولي ; لأنه يجوز تأخير الصلاة عن وقتها المختار لأجل إدراك الماء ويصلي بالتيمم إذا خيف خروج الوقت المختار اللهم إلا أن يقال : إنما أجاز تأخيرها للشفق مراعاة للخلاف لقوة القول بالامتداد فتأمله والله أعلم . وقال ابن العربي في عارضته : إن القول بالامتداد هو الصحيح وقال في أحكامه إنه هو المشهور من مذهب مالك وقوله الذي في موطئه الذي قرأه طول عمره وأملاه حياته انتهى . وقال الرجراجي : إنه المشهور وهو ظاهر قول مالك في الموطإ والمدونة وذكر لفظ الموطإ السابق وذكر مسألة التيمم المتقدمة وذكر من المدونة أيضا قوله في كتاب [ ص: 394 ] الجنائز : إنه لا يصلى على الجنائز إذا اصفرت الشمس فإذا غربت فإن شاء بدأ بالجنازة ، أو بالمغرب ، وقوله في كتاب الحج : إنه إذا طاف بعد العصر لا يركع حتى تغرب الشمس فإذا غربت الشمس فهو مخير إن شاء بدأ بالمغرب ، أو بركعتي الطواف قال في التوضيح وعلى الاتحاد قال صاحب التلقين وابن شاس يقدر آخره بالفراغ منها ، وكذلك قال ابن راشد ظاهر المذهب أنه قدر ما توقع فيه بعد الأذان والإقامة ولبعض الشافعية يراعى مقدار الطهارة والستر ، واقتصر مصنف الإرشاد على هذا الذي نسبه ابن راشد لبعض الشافعية فقال مقدر بفعلها بعد تحصيل شروطها وقال ابن عطاء الله معنى الاتحاد - والله أعلم - قدر ما يتوضأ فيه ويؤذن ويقيم خليل وقول من قال باعتبار الطهارة هو الظاهر لقولهم إن المغرب تقديمها أفضل مع أنهم يقولون إن وقت المغرب واحد ، ولا يمكن فهمه على معنى أن تقديم الشروط قبل دخول الوقت أفضل من تأخيرها بعده ، والله أعلم ، انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) وما ذكره عن ابن راشد أنه نسبه لبعض الشافعية وأن صاحب الإرشاد اقتصر عليه صرح به القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة ونسبه لمالك ونصه واختلف في آخر وقتها على أربعة أقوال : ( الأول ) وقتها مقدر بفعل الطهارة ولبس الثياب والآذان والإقامة وثلاث ركعات قاله مالك والشافعي في أحد قوليهما .

                                                                                                                            ( الثاني ) آخر وقتها بمقدار الوقت الأول من سائر الصلوات قاله بعض أصحاب الشافعي وأشار إليه في المدونة حين قال لا بأس للمسافر أن يمد الميل ونحوه .

                                                                                                                            ( الثالث ) آخر وقتها إذا غاب الشفق قاله في الموطإ وهو الصحيح .

                                                                                                                            ( الرابع ) آخر وقتها بمقدار ثلاث ركعات بعد الشفق قاله أشهب انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن عرفة وفي كون آخر وقتها آخر ما يسعها بغسلها ، أو بما لم يغب الشفق ، ثالثها ما يسعها بعد مغيبه وهو أول وقت العشاء فيشتركان . الأول المشهور ، والثاني لابن مسلمة وأخذه أبو عمر واللخمي والمازري وابن رشد من قول الموطإ إذا غاب الشفق خرج وقت المغرب ودخل وقت العشاء وأخذه الباجي وابن العربي من المدونة ، والثالث حكاه اللخمي وابن العربي عن أشهب ولم يحك الباجي في الامتداد غيره واعتبار ما يسعها بغسلها لازم لوجوبه وعدمه قبل وقتها وإجماعهم على امتناع التكليف بوقت ما لا يسعه وبه يفهم قول المازري فاعلها أثر الغروب والمتواني قليلا كلاهما أداها في وقتها ورواه ابن العربي مصرحا باعتبار قدر الأذان والإقامة ولبس الثياب معه انتهى بلفظه الأغر ، والأقوال للبيان ، وقوله وعدمه قبل وقتها يعني عدم وجوب الغسل لها قبل وقتها فتحصل من هذا أنه على القول بالاتحاد لا بد من اعتبار قدر ما يسع الغسل والوضوء ولبس الثياب والأذان والإقامة وثلاث ركعات في حق كل مصل فمن كان محصلا لهذه الأمور فالأفضل له تقديمها إثر الغروب ، ولو توانى بها قليلا مع تحصيله لشروطها إلى مقدار ما يسع هذه الأمور لم يأثم وكان مؤديا لها في وقتها المختار ومن لم يكن محصلا للشروط فأمره ظاهر .

                                                                                                                            ( قلت : ) ينبغي أن يزاد مع اعتبار ما تقدم قدر ما لا يسع الاستبراء المعتاد فإنه واجب أيضا والقول الثاني الذي ذكره ابن العربي في العارضة عن بعض الشافعية ذكره صاحب الطراز فإنه قال إذا قلنا بالاتحاد فما حده ؟ اختلف فيه أصحاب الشافعي على وجهين فذكر القول باعتبار الطهارة واللبس والأذان والإقامة وثلاث ركعات ثم قال وقال بعضهم جميع وقتها بمنزلة أول الوقت من كل صلاة من غير حد انتهى . وقال في الذخيرة : إذا قلنا بعدم الامتداد فما حده ؟ فعندنا ما تقدم ، وللشافعية قولان أحدهما اعتبار ما تقدم وثانيهما أنه غير محدود والله أعلم . والذي قدمه أن وقتها من غروب قرص الشمس إلى حين الفراغ للمقيمين ويمد المسافر الميل ونحوه وكلامه يوهم عدم اعتبار [ ص: 395 ] الطهارة وليس كذلك .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) تقدم عن صاحب الطراز أن رواية الاتحاد هي ظاهر المدونة وهو ظاهر بالنسبة إلى المقيم دون المسافر قال فيها والمغرب إذا غابت الشمس ، وأما المسافر فلا بأس أن يمد الميل ونحوه انتهى .

                                                                                                                            ( الثاني ) قال في الطراز بعد أن ذكر القولين المتقدمين للشافعية وهو الذي قلنا في وقت الافتتاح أما وقت استمدادها فاتفقوا على جواز استدامتها إلى مغيب الشفق في الموطإ { أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب والطور وأنه قرأ فيها والمرسلات } ، وهذا مما يقوي القول بأن وقتها في الاختيار إلى مغيب الشفق فإنه لا يجوز تطويل القراءة إلى ما بعد الشفق إجماعا ويجوز ما دام الشفق فلو لم يكن ذلك وقتا لها في الاختيار لما جاز كما بعد الشفق انتهى .

                                                                                                                            ومقتضى كلامه أن هذا الكلام للشافعية وأنه موافق للمذهب أعني أن الوقت المذكور إنما هو في الدخول فيها ، وأما امتدادها فيجوز إلى مغيب الشفق ونقله عنه في الذخيرة كما ذكرنا ونقله التلمساني في شرح الجلاب على وجه يقتضي أنه من كلام أهل المذهب فإنه قال : فرع : إذا قلنا : إن المغرب ليس لها إلا وقت واحد فما حده اختلف أصحاب الشافعي على وجهين وذكر ما تقدم عنهم ثم قال وقال عبد الوهاب هو وقت مضيق غير مقدر بالفراع منها في حق كل مكلف قال سند أما وقت الافتتاح فإنه مضيق ، وأما استدامتها فاتفقوا على جواز استدامتها إلى مغيب الشفق ثم ذكر بقية كلامه ، وكذلك نقله ابن راشد في شرح ابن الحاجب فتأمله . ويفهم من كلام صاحب الطراز أنه لا يجوز التطويل في قراءة غيرها من الصلوات حتى يخرج وقتها المختار غير أن في كلامه أن ذلك لا يجوز إجماعا وحكى الشافعية في ذلك خلافا .

                                                                                                                            ( الثالث ) الظاهر أن المراد بقولهم ما يسع الغسل والوضوء أي : المعتادين في حق غالب الناس فلا يعتبر تطويل الموسوس ، ولا تخفيف النادر من الناس ، ولا يقال : إن ما يسع الوضوء والغسل والاستبراء يختلف باختلاف الناس فمن كانت عادته التطويل في ذلك وأخرها عن القدر الذي يسع ذلك في غالب الناس حكمنا بأنه صلاها بعد خروج الوقت لكن يبقى النظر فيمن عادته التطويل في الاستبراء ، ولا ينقطع عنه البول بسرعة وبال بعد الغروب وعلم أنه لا ينقطع استبراؤه حتى يخرج الوقت المختار فكيف يفعل ، وكذلك من عادته التطويل في الغسل في الوضوء فهل يؤخرها ، ولو أدى ذلك إلى خروج الوقت المقدر المذكور ؟ وهل يقال : إنهم أوقعوها بعد وقتها المختار ، أو إن وقتها مقدر بفعلها بعد تحصيل شروطها وذلك يختلف بحسب كل مكلف ؟ وقد يؤخذ هذا من قوله في الجواهر على الرواية الأخرى وقتها واحد مضيق غير ممتد مقدر آخره بالفراغ منها في حق كل مكلف انتهى . وهذا ينبني على مسألة أخرى وهو من بال وكانت عادته أن استبراءه لا ينقطع إلا بعد طول بحيث يخرج الوقت المختار ، أو الضروري كيف يفعل ؟ فهل يؤمر بالوضوء والصلاة مع وجوده ويصير ذلك كالسلس أو يؤخر الصلاة حتى ينقطع البول ؟ وهل الأولى له إذا كان محصورا وخاف أن يقع فيما ذكرناه أن يصلي على تلك الحال من مدافعة الأخبثين ، أو يزيل عنه الضرورة ؟ فإن وقع فيما ذكرناه فإنهم قالوا : في الرعاف والنجاسة إذا خاف خروج الوقت يصلي بالنجاسة ، وقالوا : إذا خاف خروج الوقت باشتغاله بالوضوء ، أو الغسل تيمم ، ولم أقف على حكم في هذه المسألة ; لأن الفرض أنه على غير وجه السلس أما لو كان ذلك على وجه السلس فإنه يتوضأ ويصلي إن كان ذلك ملازما له في أكثر الأوقات ، أو تساوت ملازمته وانقطاعه ، وإن كان انقطاعه أكثر فهو ناقض على المشهور خلافا للعراقيين والله - تعالى - أعلم . وسئل عنها شيخ المالكية بالديار المصرية الشيخ ناصر الدين اللقاني - أدام الله النفع بعلومه - فأجاب بأنه يؤخر الصلاة حتى [ ص: 396 ] ينقطع بوله ، ولو أدى لخروج الصلاة عن وقتها الاختياري والضروري ولا يصليها مع وجود البول ; لأنه ناقض للوضوء مناف له ، وكذلك الشغل بالأخبثين عن فرض في وجوب التأخير ، ولو خرج الوقت المذكور ، ولا يصلي معها في الوقت ; لأنها مبطلة للصلاة موجبة لإعادتها أبدا ، نعم إذا كانت غير مشغلة عن فرض وجب فعلها في الوقت ، ولا يجوز التأخير عنه ; لأن الفعل في الوقت الاختياري واجب فلا يترك لتحصيل مندوب ، هذا ما ظهر من أصول المذهب انتهى . ( قلت : ) وهذا هو الظاهر عندي ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( الرابع ) قال في الطراز إذا قلنا : إن لها وقتين فهل تشترك مع العشاء أو لا ؟ وإذا قلنا : بالاشتراك فهل قبل مغيب الشفق بقدر العشاء أو بعده بقدر المغرب ؟ وهل يجزئ تقديم العشاء من غير عذر ؟ وهل يأثم بتأخير المغرب إلى ما بعد مغيب الشفق من غير عذر ؟ كل هذا يختلف فيه على قضية واختلف فيه من الظهر والعصر انتهى . ونقله في الذخيرة وقبله فأما ما ذكره من الخلاف في الاشتراك وعدمه فيظهر من كلام ابن العربي المتقدم ومن كلام ابن عرفة المتقدم ، ونحوه للخمي لكن ليس القائل بعدم الاشتراك في الظهر والعصر هو القول هنا ; لأن القائل بعدم الاشتراك في الظهر والعصر لابن حبيب وعبد الملك وابن المواز وابن حبيب ويقولان إن وقت المغرب متحد فلا يصح أن ينسب إليهما القول بعدم الاشتراك ; لأنا إنما فرعنا على القول بامتداد الوقت ، وأما ما ذكره من كون الخلاف إذا قلنا بالاشتراك هل هو قبل العشاء ، أو بعده فالظاهر أنه موجود فقد تقدم عن أشهب أن المغرب تشارك العشاء بعد مغيب الشفق ونقل ابن الحاجب عنه أن الاشتراك قبل مغيب الشفق ، قال في التوضيح : لعل له قولين قال : ولم يبين المصنف يعني ابن الحاجب بماذا يقع الاشتراك والظاهر أنه بأربع ركعات قبل الشفق انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) تقدم في كلام سند التصريح بذلك ، وأما تقديم العشاء قبل مغيب الشفق فقد تقدم أنها لا تجزئ على المشهور ، وأما هل يأثم بالتأخير ؟ فسيأتي في كلام المصنف أنه يأثم والله - تعالى - أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية