الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإن مات وسط الوقت بلا أداء لم يعص إلا أن يظن الموت ) .

                                                                                                                            ش قد تقدم أن جميع وقت الاختيار يجوز إيقاع الصلاة فيه وأنه يجوز تأخير الصلاة إلى آخره وأنه لا يشترط العزم على الأداء على الراجح وذكر المصنف - رحمه الله تعالى - أن المكلف إذا أخر الصلاة عن أول وقتها ثم مات في أثنائه قبل خروجه وقبل أن يصليها فإنه ليس بعاص إذا لم يظن الموت أي : لم يغلب على ظنه أن الموت يأتيه قبل خروج الوقت ; لأن التأخير جائز ، ولا إثم مع جواز الترك لا يقال : شرط جواز الترك سلامة العاقبة إذ لم يمكن العلم بها فيؤدي إلى التكليف بالمحال ، وهذا بخلاف ما وقته العمر فإنه لو أخره ومات عصى وإلا لم يتحقق الوجوب ; لأن البقاء إلى سنة أخرى ليس بغالب على الظن ، ولهذا قال الحنفية لا يجوز تأخير الحج إلى سنة أخرى وهو أحد قولي المالكية .

                                                                                                                            ( قلت : ) وفي هذا الاستثناء نظر ; لأن من عصاه ما أخر عنده مع ظن السلامة والشافعي : الذي لم يعص الشاب لكونه أخر مع ظن السلامة انتهى .

                                                                                                                            وعلم مما ذكرنا أن المراد بوسط الوقت هو ما بين أوله وآخره لا الوسط الحقيقي ومفهوم الاستثناء أنه إذا ظن الموت وأخره فإنه يعصى وهو كذلك ; لأنه إذا ظن الموت في جزء من الوقت تعين عليه الوقت ووجبت عليه المبادرة بالفعل فإن أخر الفعل عصى وسواء مات قبل الفعل ، أو عاش وفعله بعد ذلك ، نعم اختلف العلماء فيما إذا لم يمت بعد أن يضيق عليه الوقت لظنه فأوقع الصلاة بعد الوقت المضيق ولكن وقتها باق فقال جمهور العلماء إنها أداء وقال القاضي أبو بكر الباقلاني إنها قضاء نقل القولين في ذلك ابن الحاجب في مختصره الأصلي وغيره ووجه قول الجمهور ظاهر وهو أنها عبادة وقعت في وقتها المقدر لها شرعا ، وإن عصى هو بالتأخير كما لو اعتقد خروج الوقت فإنه يعصى بالتأخير فإذا تبين أن الوقت باق فالصلاة أداء اتفاقا ، ولا أثر للاعتقاد الذي تبين خطؤه حتى يقال : صار وقتا بحسب ظنه قبل ذلك فيكون قضاء لئلا يلزم من جعل ظن المكلف موجبا للعصيان بالتأخير أن يخرج ما هو وقت في نفس الأمر عن كونه وقتا وللقاضي أن يفرق بأنه لا يلزم من إطلاق اسم القضاء على ما ذكره إطلاقه على ما ذكر ثم لأن الأول أخره عن الوقت المظنون في الوقت المشروع والآخر أخره عن الوقت المظنون قبل الوقت المشروع .

                                                                                                                            ( قلت : ) ويلزم القاضي أنه لو اعتقد استمرار الوقت فأخر ثم فعل في آخر الوقت في ظنه فإذا هو بعد الوقت أن يكون أداء بناء على ظنه قاله الرهوني في شرح ابن الحاجب الأصلي ووجه قول القاضي أن وقت العبادة قد تضيق عليه بحسب ظنه فكأنه أخره عن وقتها المقدر لها قال [ ص: 402 ] الرهوني ولا خلاف في المعنى إلا أن يريد وجوب نية القضاء وهو بعيد إذ لم يقل به أحد ، والنزاع في التسمية وقال القرافي في الفرق السادس والستين : ( فائدة ) اتضح بما تحرر أن المكلف إذا غلب على ظنه أنه لا يعيش إلى آخر الوقت ثم عاش أن الفعل يكون منه أداء ; لأن تعيين الوقت لم يكن لمصلحة فيه بل تبع للظن الكاذب ، وقيل : هو قضاء قولان للقاضي والغزالي انتهى .

                                                                                                                            وقال في الفرق التاسع والستين : ( فرع ) إذا قلنا بالتوسع فهل ذلك مشروط بسلامة العاقبة فإن مات قبل الفعل وقد أخر مختارا يأثم وهو قول الشافعي ، أو لا يأثم لإذن الشرع في التأخير وهو مذهب المالكية وهو الصحيح من جهة النظر ا هـ . ويريد بهذا مع ظن السلامة وانظر كلام الشيخ حلولو فإنه نقل عن الفهري والأنباري كلاما فيه طول والفهري الطرطوشي .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية