الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإذا بنى لم يعتد إلا بركعة كملت )

                                                                                                                            ش يعني أن الراعف إذا بنى ولم يقطع صلاته وخرج لغسل الدم وغسله كما تقدم ثم رجع ليكمل صلاته فإنه لا يعتد بما مضى من صلاته إلا بالركعة الكاملة بسجدتيها فلو رعف بعد القراءة وقبل الركوع أو بعد القراءة والركوع أو بعد أن ركع وسجد سجدة واحدة فإنه لا يعتد بذلك كله إذا رجع ويبتدئ الركعة التي لم تتم من أولها بقراءة الفاتحة ثم السورة ولا يبني على شيء مما مضى سواء كان ذلك في الركعة الأولى أو الثانية .

                                                                                                                            قال في المقدمات وهو ظاهر المدونة عندي وقد روى ذلك عن ابن القاسم وقال في [ ص: 485 ] التوضيح : إنه المشهور وقيل يبني على ما عمل من صلاته سواء رعف في الركعة الأولى أو غيرها فإن كان رعف بعد القراءة في الأولى أو غيرها فإذا رجع ركع ولم يعد القراءة وإن رعف في أثناء القراءة قرأ من الموضع الذي انتهى إليه وإن رعف وهو راكع ثم رفع رأسه للرعاف فذلك رفع من الركعة فإذا رجع للقيام وخر منه للسجود وإن رعف وهو ساجد فرفع للرعاف فذلك رفع للسجدة فإذا رجع سجد السجدة الثانية وإن رعف وهو جالس للتشهد فقيامه للرعاف قيام من الجلسة فإذا رجع ابتدأ بقراءة الركعة الثالثة إلا أن يكون ذلك في مبتدأ الجلوس قبل تمام التشهد الأول فليرجع إلى الجلوس حتى يتم التشهد قال في المقدمات : وهذا قول ابن حبيب وحكاه عن ابن الماجشون وعزاه المصنف في التوضيح وغيره لابن مسلمة واستظهره هو وابن عبد السلام وغيرهما وحكى في المقدمات ثالثا وهو أنه إن كان في الركعة الأولى استأنف الإحرام وإن كان في الثانية ألغى ما مضى منها واستأنف الركعة من أولها بالقراءة ورابعا وهو أنه إن كان في الأولى استأنف الإحرام وإن كان في الثانية بنى على ما مضى منها روى هذا عن ابن الماجشون وعزا الثالث لابن القاسم وروايته عن مالك في رسم سلعة سماها وتؤولت المدونة عليه وذكر ابن عرفة أن الثالث يفصل بين الأولى فلا يبنى على جزئها وغير الأولى يبني على ما مضى منها ولم يقل : إنه يستأنف الأول بإحرام وعزاه لابن حارث عن أشهب وابن الماجشون فيكون في المسألة خمسة أقوال .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) وجه قول ابن القاسم إن الفصل بين أجزاء الركعة ممنوع منه ولذلك حكموا بفوات الركعة إذا فصل بين ركوعها وسجودها بركوع ركعة أخرى سهوا ووجه القول الثاني أن الخروج لغسل الدم لما لم يكن مانعا من إتمام الصلاة ولا فاصلا بين ركعاتها لم يكن فاصلا بين أجزاء الركعة وأيضا فإنه فصل مباح بين أجزاء الركعة فلا يكون مانعا كالكذب في الصلاة ولأن في عدم البناء زيادة في أفعال الصلاة وقال في الذخيرة الموالاة شرط في الصلاة بالإجماع فلا يجوز التفريق بين ركعاتها ولا بين أجزاء ركعاتها فمن لاحظ أن الرعاف مخل بها سوى بين الركعات وأجزائها ومن لاحظ أن الركوع الواحد كالعبادة المستقلة والصلاة المنفردة لأن الشارع قد خصها بأحكام إدراك الأوقات وفضيلة الجماعة والجمعات وتحصيل الأداء فصارت أولى بالموالاة في نفسها فلا يلزم من إهمال الموالاة في جملة الصلاة إهمالها في الركعة وهو المشهور انتهى .

                                                                                                                            وأما الأقوال الأخر فوجهها أن البناء إنما يكون على أساس فإذا لم يعقد الركعة الأولى لم يكن أساس يبني عليه إلا تكبيرة الإحرام وقد قال بعض العلماء : إنها ليست بركن وإنها خارجة عن الصلاة ( الثاني ) قال المازري في شرح التلقين لو فعل الراعف بعد رعافه فعلا من أفعال الصلاة هل يعتد به ويبنى عليه أم لا فذهب ابن حبيب إلى أنه لا يعتد بثلاثة أشياء رفع رأسه من الركوع وهو راعف ومن السجود أو قيامه أي الثالثة بعد فراغ تشهده وكأنه رأى إذا حصل له الركوع والسجود ولا رعاف به ثم عرض له الرعاف فرفع منهما فإن الرفع منهما يجزئه ولا يعيده إذا أعاد البناء قال : وقد قدمنا اضطراب القول في الرفع من الركوع هل هو فرض في نفسه ؟ وذكرنا ما قاله الناس في الرفع من السجود انتهى . وهذا لا يتصور على المشهور أعنى أنه لا يعتد إلا بركعة كملت قبل الرعاف وقال اللخمي في تبصرته : ولا يحتسب الراعف بما فعله بعد رعافه وقبل خروجه لغسل الدم وأجاز ذلك ابن حبيب في ثلاث وذكرها ( الثالث ) هذا حكم الفذ إذا قلنا بجواز بنائه ، وحكم الإمام والمأموم إذا وجد الإمام قد فرغ وأما إذا وجده في الصلاة فيتبعه على أي حال كان ولا يأتي بما فاته حتى يفرغ الإمام من صلاته .

                                                                                                                            ( الرابع ) هذا على المشهور وأما على القول بأنه يبني على ما فعله من [ ص: 486 ] أجزاء الركعة فقال المازري في شرح التلقين : إذا عاد فعل الأجزاء الباقية من الركعة ما لم يكن تشاغله بفعلها يفتيه مع الإمام عقد الركعة التي صادفه فيها ولا يمنعه من البناء وإكمال ما بقي عليه من الركعة صلاة الإمام ركعة في غيبته بخلاف الناعس انتهى . وقاله اللخمي فانظره أيضا .

                                                                                                                            ( الخامس ) فهم من كلام المصنف حكم مسألة أخرى لم يتعرض لها المصنف ولكن يؤخذ حكمها من كلامه وهو من رعف بعد أن أحرم وقبل أن يركع هل يصح له البناء على إحرامه حكى في المقدمات في ذلك أربعة أقوال أحدها أنه يبني على إحرامه مطلقا جمعة كانت أو غيرها إماما أو مأموما أو فذا وهو قول سحنون ، الثاني لا يبني ويستأنف الإقامة والإحرام جملة أيضا من غير تفصيل وهو قول ابن عبد الحكم ومثله في رسم سلعة سماها من سماع ابن القاسم ، الثالث أنها إن كانت جمعة ابتدأ الإحرام وإن كانت غير جمعة بنى على إحرامه وهو قول مالك في رواية ابن وهب وظاهر ما في المدونة عندي

                                                                                                                            الرابع أنه إن كان وحده أو إماما ابتدأ وإن كان مأموما بنى على إحرامه انتهى ففهم من كلام المصنف هنا أنه يبني ولو لم يعقد ركعة لكن هذا في غير الجمعة فإنه سيقول بعد هذا وإن لم يتم ركعة في الجمعة ابتدأ ظهرا بإحرام وهذا هو القول الثالث في كلام ابن رشد الذي عزاه لمالك وقال : إنه ظاهر المدونة عنده وصرح في التوضيح بأنه المشهور ذكر ذلك لما تكلم على مسألة الجمعة وذكر قبل ذلك الأربعة الأقوال كما ذكرها ابن رشد إلا أنه عزا الثالث لابن وهب ونصه وقد حكى ابن رشد في البناء قبل عقد ركعة أربعة أقوال عن سحنون يبني وعن ابن عبد الحكم لا يبني وعن ابن وهب يبني إلا في الجمعة قال : وهو ظاهر المدونة وقيل يبني المأموم دون الإمام والفذ وقال ابن ناجي في شرح المدونة : ظاهر كلامه في المدونة أنه يبني وإن لم يعقد ركعة وهو كذلك عند سحنون ثم ذكر بقية كلام ابن رشد وكذلك قال الشيخ أبو الحسن الصغير ظاهره رفع قبل أن يركع أو بعد ما ركع ابن رشد اختلف فيه انظر المقدمات وقال في التنبيهات اختلف في تأويل مذهبه في الكتاب فقيل مذهبه أنه لا يصح البناء إلا لمن صلى ركعة بسجدتيها ورعف في الأخرى كما في العتبية وإلا ابتدأ الصلاة بإقامة وإحرام وقيل مذهبه بناؤه على الإحرام وإن لم يتم ركعة

                                                                                                                            وقيل بل ظاهر قوله لا يبنى على إحرام ولا غيره إلا في الجمعة قال شيخنا أبو الوليد وهو ظاهر المدونة عندي كما في رواية ابن وهب انتهى قلت : انظر هذا الذي ذكره فإنه عكس ما ذكره في المقدمات وكأنه سهو منه - رحمه الله - وقد نبه على ذلك ابن عرفة وقال : إنه وهم ونبه عليه الشيخ أبو الحسن الصغير وقال لا شك أن ما ذكره في المقدمات هو ظاهر المدونة لأنه قال : وإذا عقد ركعة وسجد ثم رعف ألغاها إذا بنى وإن عقدها بسجدتيها بني عليها ، قال الشيخ أبو الحسن : فقوله ألغاها إذا بنى أنه يبني على الإحرام وقال في الجمعة : فإن رعف في الأولى من الجمعة قبل أن يعقدها بسجدتيها فوجد الإمام حين رجع قد سلم من الصلاة فليبتدئ ظهرا أربعا وقال الشيخ أبو الحسن : فظاهره أنه لا يبني على الإحرام انتهى .

                                                                                                                            ( السادس ) قال في التوضيح يطلق البناء في باب الرعاف على معنيين بناء في مقابلة قطع كما تقدم يعني في قولهم في حالة الرعاف يجب البناء في حالة الأولى ويجب القطع في الثانية ويجوز الأمران في الثالثة وبناء في مقابلة عدم اعتداد وهذا الثاني إنما يتأتى بعد حصول البناء الأول أي إذا حكمنا بأنه لا يقطع فهل يعتد بكل ما فعله ويبني عليه أو لا يعتد انتهى أكثره باللفظ قلت ويطلق البناء في هذا الباب على معنى ثالث في مقابلة القضاء وهو ما فات المأموم بعد دخوله مع الإمام إذا خرج لغسل الدم كما سيأتي في قوله وإذا اجتمع بناء وقضاء ( السابع ) قال في رسم شك من سماع ابن القاسم من كتاب الصلاة إذا [ ص: 487 ] فرغ من غسل الدم ورجع لصلاته يرجع بغير تكبير قال ابن رشد لأنه لم يخرج من صلاته وإنما يرجع لصلاته بتكبير من خرج منها بسلام انتهى والله أعلم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية