يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما
[ ص: 418 ] قوله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ما رواه سبب نزول هذه الآية عن أبو نضرة أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنساء من نسائه وعندهن رجال يتحدثون ، فكره ذلك وكان إذا كره الشيء عرف من وجهه، فلما كان العشي خرج فصعد المنبر فتلا هذه الآية .
قوله عز وجل : إلى طعام غير ناظرين إناه فيه تأويلان :
أحدهما : غير منتظرين نضجه ، قاله الضحاك . ومجاهد
الثاني : غير متوقعين لحينه ووقته ، قاله . قتادة
ولكن إذا دعيتم فادخلوا فدل هذا على . حظر الدخول بغير إذن
فإذا طعمتم فانتشروا أي فاخرجوا ، فدل على أن . الدخول للأكل يمنع من المقام بعد الفراغ من الأكل
ولا مستأنسين لحديث روى عن أبو قلابة . قال : لما أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنس وضع طعاما ودعا قوما فدخلوا زينب بنت جحش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا يتحدثون وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج ثم يرجع وهم قعود فأنزل الله تعالى : وزينب فإذا طعمتم فانتشروا
قوله عز وجل : فيستحيي منكم يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبركم .
والله لا يستحيي من الحق أن يأمركم به .
وإذا سألتموهن متاعا فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : حاجة ، قاله . السدي
الثاني : صحف القرآن ، قاله . الضحاك
الثالث : عارية ، قاله . ومعانيها متقاربة . مقاتل
[ ص: 419 ] فاسألوهن من وراء حجاب . أمرن وسائر النساء بالحجاب عن أبصار الرجال وأمر الرجال بغض أبصارهم عن النساء
وفي ثلاثة أقاويل : سبب الحجاب
أحدها ما رواه عن مجاهد رضي الله عنها قالت : عائشة كنت آكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيسا في قعب ، فمر فدعاه فأكل فأصابت إصبعه إصبعي فقال عمر لو أطاع فيكن ما رأتكن عين ، فنزلت آيات الحجاب عمر: .
الثاني : ما رواه عن عروة بن الزبير رضي الله عنها عائشة يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : احجب نساءك يا رسول الله ، فلم يكن يفعل ، فخرجت عمر ليلة من الليالي ، وكانت امرأة طويلة فناداها بصوته الأعلى : قد عرفناك يا سودة بنت زمعة ، حرصا أن ينزل الحجاب قالت : فأنزل الله تعالى الحجاب . سودة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن بالليل إلى المباضع وهي صعيد أفيح يتبرزن فيه ، وكان
الثالث : ما روى أن ابن مسعود رضي الله عنه أمر نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب فقالت عمر : يا زينب بنت جحش إنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا ، فأنزلت الآية : ابن الخطاب وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب
ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن يحتمل وجهين :
أحدهما : أطهر لها من الريبة .
الثاني : أطهر لها من الشهوة .
وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا حكى أن رجلا من السدي قريش من بني تميم قال عند نزول الحجاب أيحجبنا رسول [ ص: 420 ] الله عن بنات عمنا ويتزوج نساءنا، لئن حدث به حدث لنتزوجن نساءه من بعده ، فأنزلت هذه الآية . ولتحريمه تعديهن لزمت نفقاتهن من بيت المال .
واختلف أهل العلم في وجوب على وجهين : العدة عليهن بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن
أحدهما : لا تجب عليهن العدة لأنها مدة تربص ينتظر بها الإباحة .
الثاني : تجب لأنها عبادة وإن لم تعقبها إباحة .