قوله عز وجل: قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم اختلف أهل العربية في معنى قوله: فبما أغويتني على قولين: [ ص: 206 ] أحدهما: أنه على معنى القسم وتقديره: فبإغوائك لي لأقعدن لهم صراطك المستقيم. والثاني: أنه على معنى المجازاة ، تقديره: فلأنك أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. واختلف أهل العلم في قوله: أغويتني على أربعة أقاويل: أحدها: معناه أضللتني ، قاله ابن عباس . والثاني: معناه خيبتني من جنتك ، ومنه قول الشاعر: وابن زيد
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره ومن يغو لا يعدم على الغي لائما
أي ومن يخب. والثالث: معناه عذبتني كقوله تعالى: فسوف يلقون غيا [مريم: 59] أي عذابا ، قاله . والرابع: معناه أهلكتني بلعنك لي ، يقال غوى الفصيل إذا أشفى على الهلاك بفقد اللبن ، قال الشاعر: الحسن
معطفة الأثناء ليس فصيلها برازئها درا ولا ميت غوى
وقوله: لأقعدن لهم صراطك المستقيم أي على صراطك المستقيم ، وفيه تأويلان: أحدهما: طريق مكة ليصد عن قصدها في الحج والعمرة ، قاله والثاني: طريق الحق ليصد عنها بالإغواء ، قاله ابن مسعود. . قوله عز وجل: مجاهد ثم لآتينهم من بين أيديهم الآية. فيه أربعة تأويلات: أحدها: من بين أيديهم أي أشككهم في آخرتهم ، ومن خلفهم [ ص: 207 ] أرغبهم في دنياهم ، وعن أيمانهم : أي من قبل حسناتهم ، وعن شمائلهم من قبل سيئاتهم ، قاله . والثاني: ابن عباس من بين أيديهم : من قبل ، دنياهم ، ومن خلفهم : من قبل آخرتهم ، وعن أيمانهم : الحق أشككهم فيه ، وعن شمائلهم : الباطل أرغبهم فيه ، قاله السدي وإبراهيم. والثالث: من بين أيديهم وعن أيمانهم من حيث ينظرون ، ومن خلفهم وعن شمائلهم : من حيث لا يبصرون ، قاله . والرابع: أراد من كل الجهات التي يمكن الاحتيال عليهم منها ، ولم يذكر من فوقهم لأن رحمة الله تصده ، ولا من تحت أرجلهم لما فيه من التنفير ، قاله بعض المتأخرين. ويحتمل تأويلا خامسا: مجاهد من بين أيديهم : فيما بقي من أعمارهم فلا يقدمون على طاعة ، ومن خلفهم : فيما مضى من أعمارهم فلا يتوبون عن معصية ، وعن أيمانهم : من قبل غناهم فلا ينفقونه في مشكور ، وعن شمائلهم : من قبل فقرهم فلا يمتنعون فيه عن محظور. ويحتمل سادسا: من بين أيديهم : بسط أملهم ، ومن خلفهم تحكيم جهلهم ، وعن أيمانهم : فيما ييسر لهم ، وعن شمائلهم : فيما تعسر عليهم ، ثم قال: ولا تجد أكثرهم شاكرين يحتمل وجهين: أحدهما: شاكرين لنعمك. والثاني: مقيمين على طاعتك. فإن قيل: فكيف علم إبليس ذلك؟ فعنه جوابان: أحدهما: أنه ظن ذلك فصدق ظنه ، كما قال تعالى: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه [سبأ: 20] وسبب ظنه أنه لما أغوى آدم واستزله قال: ذرية هذا أضعف منه ، قاله . والثاني: أنه يجوز أن يكون علم ذلك من جهة الملائكة بخبر من الله. [ ص: 208 ] الحسن