قوله عز وجل: وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين
قرأ السبعة سوى "واحدة" بالنصب على خبر "كان"; وقرأ نافع "واحدة" بالرفع على أن كان بمعنى وقع وحضر، وقرأ نافع: "النصف" بضم النون، وكذلك قرأه أبو عبد الرحمن السلمي: علي بن أبي طالب في جميع القرآن. وزيد بن ثابت
[ ص: 482 ] وقوله: "ولد" يريد ذكرا أو أنثى، واحدا أو جماعة، للصلب أو لولد ذكر، فإن ذلك كيف وقع يجعل فرض الأب السدس، وإن أخذ النصف في ميراثه فإنما يأخذه بالتعصيب.
وقوله تعالى: فإن لم يكن له ولد ... الآية، المعنى: فإن لم يكن له ولد، ولا ولد ولد، ذكرا كان أو أنثى. وقوله: وورثه أبواه تقتضي قوة الكلام أنهما منفردان عن جميع أهل السهام من ولد وغيره، فعلى هذا يكون قوله: "وورثه" حكما لهما بالمال، فإذا ذكر وحده بعد ذلك نصيب أحدهما أخذ النصيب الآخر، كما تقول لرجلين: هذا المال بينكما، ثم تقول لأحدهما، أنت يا فلان لك منه الثلث، فقد حددت للآخر منه الثلثين بنص كلامك.
وعلى أن فريضتهما خلت من الولد وغيره يجيء قول أكثر الناس: إن للأم مع الانفراد الثلث من المال كله، فإن كان معهما زوج كان للأم السدس ، وهو الثلث بالإضافة إلى الأب. وعلى أن الفريضة خلت من الولد فقط يجيء قول شريح إن الفريضة إذا خلت من الولد أخذت الأم الثلث من المال كله مع الزوج، وكان ما بقي للأب، ويجيء على هذا قوله: "وورثه أبواه". منفردين أو مع غيرهما. وابن عباس:
وقرأ حمزة فلإمه بكسر الهمزة، وهي لغة حكاها والكسائي: وكذلك كسر الهمزة من قوله: سيبويه، في بطون أمهاتكم ، "وفي إمها" و"في إم الكتاب"، وهذا كله إذا وصلا إتباعا للكسرة أو الياء التي قبل الهمزة. وقرأ الباقون كل هذا بضم للهمزة، وكسر الميم من "إمهاتكم" إتباعا لكسر الهمزة، ومتى لم يكن وصل وياء أو كسرة فالضم باتفاق. حمزة
وقوله تعالى: فإن كان له إخوة فلأمه السدس الإخوة يحطون الأم إلى السدس ولا يأخذونه، أشقاء كانوا أو للأب أو للأم، وقال من لا يعد قوله إلا في الشذوذ: إنهم يحطون ويأخذون ما يحطون لأنفسهم مع الأب، روي عن وروي عنه [ ص: 483 ] خلافه مثل قول السدس الذي يحجبون الأم عنه، قال ابن عباس، وإنما أخذه الأب دونهم، لأنه يمونهم، ويلي نكاحهم، والنفقة عليهم، هذا في الأغلب، ومجمعون على أن أخوين فصاعدا يحجبون الأم عنه، إلا ما روي عن قتادة: أن الأخوين في حكم الواحد، ولا يحجب الأم أقل من ثلاثة. واستدل الجميع بأن أقل الجمع اثنان، لأن التثنية جمع شيء إلى مثله، فالمعنى يقتضي أنها جمع، وذكر المفسرون أن عبد الله بن عباس: العرب قد تأتي بلفظ الجمع وهي تريد التثنية، كما قال تعالى: وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ، وكقوله في آية الخصم: إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا وكقوله: "وأطراف النهار" واحتجوا بهذا كله في أن الإخوة يدخل تحته الأخوان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه الآيات كلها لا حجة فيها عندي على هذه الآية، لأنه قد تبين في كل آية منها بالنص أن المراد اثنان، فساغ التجوز بأن يؤتى بلفظ الجمع بعد ذلك، إذ معك في الأولى "يحكمان"، وفي الثانية "إن هذا أخي"، وأيضا فالحكم قد يضاف إلى الحاكم والخصوم، وقد يتسور مع الخصم غيرهما فهم جماعة، وأما "النهار" في الآية الثالثة فالألف واللام فيه للجنس فإنما أراد طرفي كل يوم، وأما إذا ورد لفظ الجمع ولم يقترن به ما يبين المراد فإنما يحمل على الجمع، ولا يحمل على التثنية، لأن اللفظ مالك للمعنى، وللبنية حق. وذكر بعض من احتج لقول أن بناء التثنية يدل على الجنس والعدد كبناء الإفراد، وبناء الجمع يدل على الجنس ولا يدل على العدد، فلا يصح أن يدخل هذا على هذا. عبد الله بن عباس:
وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة "يوصى" [ ص: 484 ] بفتح الصاد وتشديدها، وكل هذا في الموضعين، وقرأ والكسائي: حفص عن في الأولى بالفتح، وفي الثانية بالكسر. عاصم
وهذه الآية إنما قصد بها تقديم هذين الفعلين على الميراث، ولم يقصد بها ترتيبهما في أنفسهما، ولذلك تقدمت الوصية في اللفظ، والدين مقدم على الوصية بإجماع، والذي أقول في هذا: إنه قدم الوصية إذ هي أقل لزوما من الدين، اهتماما بها وندبا إليها، كما قال تعالى: لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، وأيضا قدمها من جهة أنها مضمنها الوصية التي هي كاللازم يكون لكل ميت، إذ قد حض الشرع عليها، وأخر الدين لشذوذه، وأنه قد يكون ولا يكون، فبدأ بذكر الذي لا بد منه، ثم عطف بالذي قد يقع أحيانا، ويقوي هذا كون العطف بأو، ولو كان الدين راتبا لكان العطف بالواو، وقدمت الوصية أيضا إذ هي حظ مساكين وضعاف، وأخر الدين إذ هو حظ غريم يطلبه بقوة، وهو صاحب حق له فيه، كما قال عليه السلام: وأجمع العلماء على أن ليس لأحد أن يوصي بأكثر من الثلث، واستحب كثير منهم ألا يبلغ الثلث، وأن يغض الناس إلى الربع. "إن لصاحب الحق مقالا".