إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنى تؤفكون فالق الإصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ذلك تقدير العزيز العليم
هذا ابتداء تنبيه على العبرة والنظر؛ ويتصل المعنى بما قبله؛ لأن القصد: "إن الله..."؛ لا هذه الأصنام؛ وقال ؛ مجاهد وأبو مالك : هذه إشارة إلى الشق الذي في حبة البر؛ ونواة التمر.
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: والعبرة - على هذا القول - مخصوصة في بعض الحب وبعض النوى؛ وليس لذلك وجه؛ وقال ؛ الضحاك ؛ وقتادة ؛ وغيرهم: هذه إشارة إلى فعل الله تعالى في أن يشق جميع الحب عن جميع النبات الذي يكون منه؛ ويشق النوى عن جميع الأشجار الكائنة عنه. والسدي
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: وهذا هو الظاهر الذي يعطي العبرة التامة؛ فسبحان الخلاق العليم.
وقال : "فالق"؛ بمعنى: "خالق"؛ وقال الضحاك : السدي وأبو مالك : يخرج الحي من الميت ؛ إشارة إلى إخراج النبات الأخضر؛ والشجر الأخضر من الحب اليابس؛ والنوى [ ص: 425 ] اليابس؛ فكأنه جعل الخضرة والنضارة حياة؛ واليبس موتا؛ ومخرج الميت من الحي ؛ إشارة إلى إخراج اليابس من النبات والشجر.
وقال - رضي الله عنهما - وغيره: بل ذلك كله إشارة إلى إخراج الإنسان الحي من النطفة الميتة؛ وإخراج النطفة الميتة من الإنسان الحي؛ وكذلك سائر الحيوان؛ والطير؛ من البيض؛ والحوت؛ وجميع الحيوان. ابن عباس
قال القاضي أبو محمد - رحمه الله -: وهذا القول أرجح؛ وإنما تعلق قائلو القول الأول بتناسب تأويلهم مع قوله تعالى فالق الحب والنوى ؛ وهما على هذا التأويل الراجح معنيان متباينان؛ فيهما معتبر؛ وقال الحسن: المعنى: يخرج المؤمن من الكافر؛ والكافر من المؤمن.
وقوله تعالى ذلكم الله ؛ ابتداء وخبر؛ متضمن التنبيه؛ فأنى تؤفكون ؛ أي: تصرفون؛ وتصدون.
و فالق الإصباح ؛ أي: شاقه؛ ومظهره؛ والفلق: الصبح؛ وقرأ الجمهور: "فالق الإصباح"؛ بكسر الهمزة؛ وقرأ الحسن بن أبي الحسن؛ ؛ وعيسى بن عمر : "فالق الأصباح"؛ بفتح الهمزة؛ جمع "صبح"؛ وقرأت فرقة: "فالق الإصباح"؛ بحذف التنوين من "فالق"؛ لالتقاء الساكنين؛ ونصب "الإصباح"؛ بـ "فالق"؛ كأنه أراد: "فالق الإصباح"؛ بتنوين القاف؛ وهذه قراءة شاذة؛ وإنما جوز وأبو رجاء مثل هذا في الشعر؛ وأنشد عليها: سيبويه
فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلا
وحكى النحاس عن جواز ذلك في الكلام؛ وقرأ المبرد أبو حيوة؛ ؛ وإبراهيم النخعي : "فلق الإصباح"؛ بفعل ماض؛ وقرأ ويحيى بن وثاب ؛ ابن كثير ؛ ونافع ؛ وأبو عمرو : "وجاعل الليل"؛ وقرأ وابن عامر ؛ عاصم ؛ وحمزة : "وجعل [ ص: 426 ] الليل"؛ وهذا لما كان "فالق"؛ بمعنى الماضي؛ فكأن اللفظ "فلق الإصباح؛ وجعل"؛ ويؤيد ذلك نصب "والشمس والقمر"؛ وقرأ الجمهور: "سكنا"؛ وروي عن والكسائي "ساكنا"؛ قال يعقوب: : ولا يصح ذلك عنه؛ ونصبه بفعل مضمر؛ إذا قرأنا: "وجاعل"؛ لأنه بمعنى المضي؛ وتقدير الفعل المضمر: "وجاعل الليل يجعله سكنا"؛ وهذا مثل قولك: "هذا معطي زيد أمس درهما"؛ والذي حكاه أبو عمرو الداني في هذا أن ينتصب بما في الكلام من معنى: "معطي"؛ وقرأ أبو علي أبو حيوة: "والشمس والقمر"؛ بالخفض؛ عطفا على لفظ "الليل".
و"حسبانا"؛ جمع "حساب"؛ كـ "شهبان"؛ في جمع "شهاب"؛ أي: تجري بحساب؛ هذا قول ؛ ابن عباس ؛ والسدي ؛ وقتادة ؛ وقال ومجاهد - في صحيح مجاهد -: المراد: حسبان كحسبان الرحى؛ وهو الدولاب؛ والعود الذي عليه دورانه. البخاري