[ ص: 407 ] قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=19863_2_28811_32745_33995_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين nindex.php?page=treesubj&link=19860_19881_28902_30428_30437_30454_30564_34190_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه أبدا كان لا يمر بالطريق التي فيها المسجد، وهذا النهي إنما هو لأن البانين
لمسجد الضرار قد كانوا خادعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: بنينا مسجدا للضرورات والسيل الحايل بيننا وبين قومنا فنريد أن تصلي لنا فيه وتدعو بالبركة، فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشي معهم إلى ذلك، واستدعى قميصه لينهض فنزلت الآية:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه أبدا . وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لمسجد قيل: إن اللام لام قسم، وقيل: هي لام الابتداء كما تقول: لزيد أحسن الناس فعلا، وهي مقتضية تأكيدا.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وفرقة من الصحابة والتابعين :رضي الله عنهم:المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى: هو
مسجد قباء. وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ،
وأبي سعيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالمدينة، ويليق القول الأول بالقصة، إلا أن القول الثاني روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نظر مع الحديث، وأسند
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري في ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662667اختلف رجل من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف فقال الخدري: هو مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقال الآخر: هو مسجد قباء، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال: "هو مسجدي هذا، وفي الآخر خير كثير" إلى كثير من الآثار في هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ،
وسهل بن سعد .
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في بقعته نخل وقبور مشركين ومربد ليتيمين كانا في
[ ص: 408 ] حجر
nindex.php?page=showalam&ids=103أسعد بن زرارة ، وبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: الأولى بالسميط وهي لبنة أمام لبنة، والثانية بالصعيدة، وهي لبنة ونصف في عرض الحائط، والثالثة بالأنثى والذكر، وهي لبنتان تعرض عليهما لبنتان، وكان في طوله سبعون ذراعا، وكان عمده النخل، وكان عريشا يكف المطر، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيانه ورفعه فقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=708840 "لا، بل يكون عريشا كعريش أخي موسى كان إذا قام ضرب رأسه في سقفه". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل فيه اللبن على صدره، ويقال إن أول من وضع في أساسه حجرا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر حجرا، ثم وضع
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر حجرا، ثم وضع
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان حجرا، ثم رمى الناس بالحجارة فتفاءل بذلك بعض الصحابة في أنها الخلافة فصدق فأله.
قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108من أول يوم قيل: معناه: منذ أول يوم، وقيل: معناه: من تأسيس أول يوم، وإنما دعا إلى هذا الاختلاف أن من أصول النحويين أن "من" لا تجر بها الأزمان، وإنما تجر الأزمان بمنذ، تقول: ما رأيته منذ يومين أو سنة أو يوم، ولا تقول: من شهر ولا من سنة، ولا من يوم، فإذا وقعت "من" في الكلام وهي تلي زمنا فيقدر مضمر يليق أن تجره "من" كقول الشاعر:
لمن الديار كقنة الحجر ... أقوين من حجج ومن دهر؟
و"من شهر" رواية، فقدروه: "من مر حجج ومن مر دهر"، ولما كان قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أول يوم يوما وهو اسم زمان احتاجوا فيه إلى تقدير "من تأسيس"، ويحسن عندي
[ ص: 409 ] أن يستغنى في هذه الآية عن تقدير، وأن تكون "من" تجر لفظة "أول" لأنها بمعنى البداءة، كأنه قال: من مبتدإ الأيام، وهي هنا- تقوم مقام "المر" في البيت المتقدم، وهي كما تقول: "جئت من قبلك ومن بعدك" وأنت لا تدل بهاتين اللفظتين إلا على الزمن، وقد حكي لي هذا الذي اخترته عن بعض أئمة النحو.
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أن تقوم فيه أي بصلاتك وعبادتك، وقرأ جمهور الناس: "أن تقوم فيه فيه رجال" بكسر الهاء، وقرأ
عبد الله بن زيد: "أن تقوم فيه، فيه" بضم الهاء الثانية على الأصل، ويحسنه تجنب تكرار لفظ واحد، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة وغيره: الضمير عائد على
مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والرجال: جماعة
الأنصار.
وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=676862أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: "يا معشر الأنصار إني رأيت الله أثنى عليكم بالطهور فماذا تفعلون؟" فقالوا: يا رسول الله: إنا رأينا جيراننا من اليهود يتطهرون بالماء، (قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يريد الاستنجاء بالماء)، ففعلنا نحن ذلك، فلما جاء الإسلام لم ندعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تدعوه أبدا".
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام وغيره ما معناه: إن الضمير عائد على مسجد قباء، والمراد
بنو عمرو بن عوف ، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال المقالة المتقدمة
لبني عمرو بن عوف ، والأول أكثر. واختلف أهل العلم في
nindex.php?page=treesubj&link=407_408الأفضل بين الاستنجاء بالماء أو بالحجارة، فقيل هذا وقيل هذا، ورأت فرقة من أهل العلم الجمع بينهما، فينقي بالحجارة ثم يتبع بالماء، وحدثني أبي رضي الله عنه أنه بلغه أن بعض علماء
القيروان كانوا يتخذون في متوضياتهم أحجارا في تراب ينقون بها ثم يستنجون بالماء أخذا بهذا القول.
[ ص: 410 ] قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وإنما يتصور الخلاف في البلاد التي يمكن فيها أن تنقي الحجارة،
nindex.php?page=showalam&ids=13056وابن حبيب لا يجيز الاستنجاء بالحجارة حيث يوجد الماء، وهو قول شذ فيه.
وقرأ جمهور الناس: "يتطهروا" ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش : "يطهروا" بالإدغام، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "المتطهرين" بالتاء، وأسند
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء أنه قال: أحدث قوم من أهل
قباء الاستنجاء بالماء فنزلت الآية فيهم، وروي
nindex.php?page=hadith&LINKID=849542أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "منهم عويم بن ساعدة " ولم يسم أحد منهم غير
عويم.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109أفمن أسس بنيانه الآية استفهام بمعنى تقرير، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر ، وجماعة: "أسس بنيانه" على بناء "أسس" للمفعول ورفع "بنيان" فيهما، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وجماعة: "أسس بنيانه" على بناء الفعل للفاعل ونصب "بنيان" فيهما، وقرأ عمارة بن ضبا -رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17379يعقوب- الأول على بناء الفعل للمفعول والثاني على بنائه للفاعل، والآية تتضمن معادلة بين شيئين، فإما بين البناءين وإما بين البانين، فالمعادلة الأولى هي بتقدير: "أبناء من أسس؟" . وقرأ
نصر بن علي -ورويت عن
نصر بن عاصم -: "أفمن أس بنيانه" على إضافة "أس" إلى "بنيان"، وقرأ
نصر بن عاصم ،
وأبو حيوة أيضا: "أساس بنيانه" ، وقرأ
نصر بن عاصم أيضا: "أسس بنيانه" على وزن "فعل" بضم الفاء والعين، وهو جمع أساس كقذال وقذل، حكى ذلك
أبو الفتح، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11971أبو حاتم أن
[ ص: 411 ] هذه القراءة
لنصر إنما هي: "أسس" بهمزة مفتوحة وسين مفتوحة وسين مضمومة، وعلى الحكايتين فالإضافة إلى البنيان، وقرأ
نصر بن علي أيضا: "أساس" على جمع "أس"، والبنيان مصدر، يقال: بنى يبني بناء وبنيانا كالغفران والطغيان فسمي به المبنى مثل الخلق إذا أردت به المخلوق، وقيل: هو جمع واحده بنيانة، وأنشد في ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي :
كبنيانة القاري موضع رجلها ... وآثار نسعيها من الدف أبلق
وقرأ الجمهور: "على تقوى"، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16748عيسى بن عمر : "على تقوى" بتنوين الواو، حكى هذه القراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وردها الناس، قال
أبو الفتح: قياسها أن تكون الألف للإلحاق كأرطى ونحوه.
وأما المراد بالبنيان الذي أسس على التقوى والرضوان فهو -في ظاهر اللفظ وقول الجمهور- المسجد المذكور قبل، ويطرد فيه الخلاف المتقدم، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه قال: المراد بالمسجد المؤسس على التقوى هو
مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بأنه أسس على تقوى من الله، ورضوان خير هو
مسجد قباء، وأما البنيان الذي أسس على شفا جرف هار فهو
مسجد الضرار بإجماع.
[ ص: 412 ] والشفا: الحاشية والشفير. والجرف: الحفير حول البئر ونحوه مما جرفته السيول والندوة والبلى. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ، وجماعة: "جرف" بضم الراء، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ، وجماعة: "جرف" بسكون الراء، واختلف عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ، وهما لغتان، وقيل: الأصل بضم الراء وتخفيفها بعد ذلك مستعمل. و"هار" معناه: متهدم منهال، من هار يهور، ويقال: هار يهير ويهار، وأصله: هاير أو هاور، فقيل: قلبت راؤه قبل حرف العلة فجاء هارو أو هاري، فصنع به ما صنع بقاض وغاز، وعلى هذا يقال في حال النصب: هاريا، ومثله "في يوم راح" أصله: رائح، ومثله "شاكي السلاح" أصله: شائك، ومثله قول
العجاج :
لاث به الأشاء والعبري
أصله: لائث. ومثله قول الشاعر:
...................... ... خفضوا أسنتهم فكل ناع
على أحد الوجهين، فإنه يحتمل أنه من "نعى ينعي" والمراد أنهم يقولون: "يا ثارات فلان"، ويحتمل أن يريد: "فكلهم نائع" أي عاطش كما قال
عمير بن شييم: [ ص: 413 ] ......................... ... والأسل النياعا
وقيل في "هار": إن حرف علته حذف حذفا، فعلى هذا يجري بوجوه الإعراب فتقول: جرف هار، ورأيت جرفا هارا، ومررت بحرف هار. واختلف القراء في إمالة "هار" و"انهار".
وتأسيس البناء على تقوى إنما هو بحسن النية فيه وقصد وجه الله تبارك وتعالى وإظهار شرعه، كما صنع في
مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفي
مسجد قباء. والتأسيس على شفا جرف هار إنما هو بفساد النية وقصد الرياء والتفريق بين المؤمنين، فهذه تشبيهات صحيحة بارعة. و"خير" في هذه الآية تفضيل، ولا شركة بين الأمرين في خير إلا على معتقد باني
مسجد الضرار، فبحسب ذلك المعتقد صح التفضيل.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109فانهار به في نار جهنم الظاهر منه ومما صح من خبرهم وهدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدهم أنه خارج مخرج المثل، أي: مثل هؤلاء المضارين من المنافقين في قصدهم معصية الله وحصولهم من ذلك على سخطه كمن ينهار بنيانه في نار جهنم، ثم اقتضب الكلام اقتضابا يدل عليه ظاهره. وقيل: بل ذلك حقيقة وإن ذلك المسجد بعينه انهار في نار جهنم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج . وروي
عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله وغيره أنه قال: رأيت الدخان يخرج منه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي في بعض الكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه حين انهار حتى بلغ الأرض السابعة ففزع لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي أنهم لم يصلوا فيه أكثر من ثلاثة أيام، أكملوه يوم الجمعة وصلوا فيه يوم الجمعة وليلة السبت وانهار يوم الاثنين.
[ ص: 414 ] قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله بإسناد لين، وما قدمناه أصوب وأصح، وكذلك بقي أمره والصلاة فيه من قبل سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
تبوك إلى أن أقفل منها.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109والله لا يهدي القوم الظالمين طعن على هؤلاء المنافقين وإشارة إليهم، والمعنى: لا يهديهم من حيث هم ظالمون، أو يكون المراد الخصوص فيمن يوافي على ظلمه، وأسند
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
خلف بن ياسين أنه قال: رأيت مسجد المنافقين الذين ذكره الله في القرآن فرأيت فيه مكانا يخرج منه الدخان، وذلك في زمن
nindex.php?page=showalam&ids=15337أبي جعفر المنصور . وروي شبيه بهذا أو نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أسنده
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري .
[ ص: 407 ] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=19863_2_28811_32745_33995_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ nindex.php?page=treesubj&link=19860_19881_28902_30428_30437_30454_30564_34190_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مِنَ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا كَانَ لَا يَمُرُّ بِالطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا الْمَسْجِدُ، وَهَذَا النَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ لِأَنَّ الْبَانِينَ
لِمَسْجِدِ الضِّرَارِ قَدْ كَانُوا خَادَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: بَنَيْنَا مَسْجِدًا لِلضَّرُورَاتِ وَالسَّيْلِ الْحَايِلِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا فَنُرِيدُ أَنْ تُصَلِّي لَنَا فِيهِ وَتَدْعُوَ بِالْبَرَكَةِ، فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَشْيِ مَعَهُمْ إِلَى ذَلِكَ، وَاسْتَدْعَى قَمِيصَهُ لِيَنْهَضَ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا . وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَمَسْجِدٌ قِيلَ: إِنَّ اللَّامَ لَامُ قَسَمٍ، وَقِيلَ: هِيَ لَامُ الِابْتِدَاءِ كَمَا تَقُولُ: لَزَيْدٌ أَحْسَنُ النَّاسِ فِعْلًا، وَهِيَ مُقْتَضِيَةٌ تَأْكِيدًا.
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، وَفِرْقَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ :رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ:الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى: هُوَ
مَسْجِدُ قُبَاءٍ. وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ ،
وَأَبِي سَعِيدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=47وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْمَدِينَةِ، وَيَلِيقُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بِالْقِصَّةِ، إِلَّا أَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا نَظَرَ مَعَ الْحَدِيثِ، وَأَسْنَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ فِي ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662667اخْتَلَفَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي خُدْرَةَ وَرَجُلٌ مَنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ الْخُدْرِيُّ: هُوَ مَسْجِدُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ الْآخَرُ: هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ، فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ فَقَالَ: "هُوَ مَسْجِدِي هَذَا، وَفِي الْآخَرِ خَيْرٌ كَثِيرٌ" إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْآثَارِ فِي هَذَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ،
وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ .
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بُقْعَتِهِ نَخْلٌ وَقُبُورُ مُشْرِكِينَ وَمِرْبَدٍ لِيَتِيمَيْنِ كَانَا فِي
[ ص: 408 ] حِجْرِ
nindex.php?page=showalam&ids=103أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ ، وَبَنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: الْأَوْلَى بِالسَّمِيطِ وَهِيَ لَبِنَةٌ أَمَامَ لَبِنَةٍ، وَالثَّانِيَةُ بِالصَّعِيدَةِ، وَهِيَ لَبِنَةٌ وَنِصْفٌ فِي عَرْضِ الْحَائِطِ، وَالثَّالِثَةُ بِالْأُنْثَى وَالذَّكَرِ، وَهِيَ لَبِنَتَانِ تُعْرَضُ عَلَيْهِمَا لَبِنَتَانِ، وَكَانَ فِي طُولِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَكَانَ عُمُدُهُ النَّخْلُ، وَكَانَ عَرِيشًا يَكُفُّ الْمَطَرَ، وَعُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُنْيَانُهُ وَرَفْعُهُ فَقَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=708840 "لَا، بَلْ يَكُونُ عَرِيشًا كَعَرِيشِ أَخِي مُوسَى كَانَ إِذَا قَامَ ضَرَبَ رَأْسُهُ فِي سَقْفِهِ". وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ فِيهِ اللَّبِنَ عَلَى صَدْرِهِ، وَيُقَالُ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ وَضَعَ فِي أَسَاسِهِ حَجَرًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ وَضَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ حَجَرًا، ثُمَّ وَضَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ حَجَرًا، ثُمَّ وَضَعَ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانُ حَجَرًا، ثُمَّ رَمَى النَّاسُ بِالْحِجَارَةِ فَتَفَاءَلَ بِذَلِكَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فِي أَنَّهَا الْخِلَافَةُ فَصَدَقَ فَأْلُهُ.
قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ قِيلَ: مَعْنَاهُ: مُنْذُ أَوَّلِ يَوْمٍ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: مِنْ تَأْسِيسِ أَوَّلِ يَوْمٍ، وَإِنَّمَا دَعَا إِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَنَّ مِنْ أُصُولِ النَّحْوِيِّينَ أَنَّ "مِنْ" لَا تُجَرُّ بِهَا الْأَزْمَانُ، وَإِنَّمَا تُجَرُّ الْأَزْمَانُ بِمُنْذُ، تَقُولُ: مَا رَأَيْتُهُ مُنْذُ يَوْمَيْنِ أَوْ سَنَةٍ أَوْ يَوْمٍ، وَلَا تَقُولُ: مِنْ شَهْرٍ وَلَا مِنْ سَنَةٍ، وَلَا مِنْ يَوْمٍ، فَإِذَا وَقَعَتْ "مِنْ" فِي الْكَلَامِ وَهِيَ تَلِي زَمَنًا فَيُقَدَّرُ مُضْمَرٌ يَلِيقُ أَنْ تَجُرَّهُ "مِنْ" كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
لِمَنِ الدِّيَارُ كَقُنَّةِ الْحِجْرِ ... أَقْوَيْنَ مِنْ حِجَجٍ وَمِنْ دَهْرِ؟
و"مِنْ شَهْرٍ" رِوَايَةٌ، فَقَدَّرُوهُ: "مِنْ مَرِّ حِجَجٍ وَمِنْ مَرِّ دَهْرٍ"، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أَوَّلِ يَوْمٍ يَوْمًا وَهُوَ اسْمُ زَمَانٍ احْتَاجُوا فِيهِ إِلَى تَقْدِيرِ "مِنْ تَأْسِيسِ"، وَيَحْسُنُ عِنْدِي
[ ص: 409 ] أَنْ يُسْتَغْنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ تَقْدِيرٍ، وَأَنْ تَكُونَ "مِنْ" تَجُرُّ لَفْظَةَ "أَوَّلِ" لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْبُدَاءَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: مِنْ مُبْتَدَإِ الْأَيَّامِ، وَهِيَ هُنَا- تَقُومُ مَقَامَ "الْمَرِّ" فِي الْبَيْتِ الْمُتَقَدِّمِ، وَهِيَ كَمَا تَقُولُ: "جِئْتُ مِنْ قَبْلِكَ وَمِنْ بَعْدِكَ" وَأَنْتَ لَا تَدُلُّ بِهَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ إِلَّا عَلَى الزَّمَنِ، وَقَدْ حُكِيَ لِي هَذَا الَّذِي اخْتَرْتُهُ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ النَّحْوِ.
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108أَنْ تَقُومَ فِيهِ أَيْ بِصَلَاتِكَ وَعِبَادَتِكَ، وَقَرَأَ جُمْهُورُ النَّاسِ: "أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ" بِكَسْرِ الْهَاءِ، وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ: "أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهُ" بِضَمِّ الْهَاءِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأَصْلِ، وَيُحَسِّنُهُ تَجَنُّبُ تَكْرَارِ لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ: الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى
مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالرِّجَالُ: جَمَاعَةُ
الْأَنْصَارِ.
وَرُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=676862أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: "يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِنِّي رَأَيْتُ اللَّهَ أَثْنَى عَلَيْكُمْ بِالطُّهُورِ فَمَاذَا تَفْعَلُونَ؟" فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا رَأَيْنَا جِيرَانَنَا مِنَ الْيَهُودِ يَتَطَهَّرُونَ بِالْمَاءِ، (قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُرِيدُ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ)، فَفَعَلْنَا نَحْنُ ذَلِكَ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ لَمْ نَدَعْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَلَا تَدَعُوهُ أَبَدًا".
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَّامٍ وَغَيْرُهُ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَالْمُرَادُ
بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ الْمُقَالَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ
لِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=407_408الْأَفْضَلِ بَيْنَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ أَوْ بِالْحِجَارَةِ، فَقِيلَ هَذَا وَقِيلَ هَذَا، وَرَأَتْ فِرْقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا، فَيُنَقِّي بِالْحِجَارَةِ ثُمَّ يُتْبِعُ بِالْمَاءِ، وَحَدَّثَنِي أَبِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ عُلَمَاءِ
الْقَيْرَوَانِ كَانُوا يَتَّخِذُونَ فِي مُتَوَضَّيَاتِهِمْ أَحْجَارًا فِي تُرَابٍ يُنَقُّونَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ أَخْذًا بِهَذَا الْقَوْلِ.
[ ص: 410 ] قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فِي الْبِلَادِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا أَنْ تُنَقَّيَ الْحِجَارَةُ،
nindex.php?page=showalam&ids=13056وَابْنُ حَبِيبٍ لَا يُجِيزُ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْحِجَارَةِ حَيْثُ يُوجَدُ الْمَاءُ، وَهُوَ قَوْلٌ شَذَّ فِيهِ.
وَقَرَأَ جُمْهُورُ النَّاسِ: "يَتَطَهَّرُوا" ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ : "يَطَّهَّرُوا" بِالْإِدْغَامِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "الْمُتَطَهِّرِينَ" بِالتَّاءِ، وَأَسْنَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ: أَحْدَثَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ
قُبَاءٍ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمْ، وَرُوِيَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=849542أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ " وَلَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ
عُوَيْمٍ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ الْآيَةُ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى تَقْرِيرٍ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نَافِعٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وَابْنُ عَامِرٍ ، وَجَمَاعَةٌ: "أُسِّسَ بُنْيَانُهُ" عَلَى بِنَاءِ "أَسَّسَ" لِلْمَفْعُولِ وَرَفْعِ "بُنْيَانٌ" فِيهِمَا، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وَأَبُو عَمْرٍو ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وَعَاصِمٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ: "أَسَّسَ بُنْيَانَهُ" عَلَى بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ وَنَصْبِ "بُنْيَانٌ" فِيهِمَا، وَقَرَأَ عِمَارَةُ بْنُ ضَبَّا -رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17379يَعْقُوبُ- الْأَوَّلُ عَلَى بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ وَالثَّانِي عَلَى بِنَائِهِ لِلْفَاعِلِ، وَالْآيَةُ تَتَضَمَّنُ مُعَادَلَةً بَيْنَ شَيْئَيْنِ، فَإِمَّا بَيْنَ الْبِنَاءَيْنِ وَإِمَّا بَيْنَ الْبَانِينَ، فَالْمُعَادَلَةُ الْأَوْلَى هِيَ بِتَقْدِيرٍ: "أَبِنَاءُ مَنْ أَسَّسَ؟" . وَقَرَأَ
نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ -وَرُوِيَتْ عَنْ
نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ -: "أَفَمَنْ أَسَّ بُنْيَانَهُ" عَلَى إِضَافَةِ "أَسَّ" إِلَى "بُنْيَانٍ"، وَقَرَأَ
نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ ،
وَأَبُو حَيَوَةَ أَيْضًا: "أَسَاسُ بُنْيَانِهِ" ، وَقَرَأَ
نَصْرُ بْنُ عَاصِمٍ أَيْضًا: "أُسُسُ بُنْيَانِهِ" عَلَى وَزْنِ "فُعُلُ" بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ، وَهُوَ جَمْعُ أَسَاسٍ كَقَذَالٍ وَقُذُلٍ، حَكَى ذَلِكَ
أَبُو الْفَتْحِ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11971أَبُو حَاتِمٍ أَنَّ
[ ص: 411 ] هَذِهِ الْقِرَاءَةَ
لِنَصْرٍ إِنَّمَا هِيَ: "أَسَسٌ" بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَسِينٍ مَفْتُوحَةٍ وَسِينٍ مَضْمُومَةٍ، وَعَلَى الْحِكَايَتَيْنِ فَالْإِضَافَةُ إِلَى الْبُنْيَانِ، وَقَرَأَ
نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ أَيْضًا: "أَسَاسٌ" عَلَى جَمْعِ "أُسٍّ"، وَالْبُنْيَانُ مَصْدَرٌ، يُقَالُ: بَنَى يَبْنِي بِنَاءً وَبُنْيَانًا كَالْغُفْرَانِ وَالطُّغْيَانِ فَسُمِّيَ بِهِ الْمَبْنَى مِثْلُ الْخَلْقِ إِذَا أَرَدْتَ بِهِ الْمَخْلُوقَ، وَقِيلَ: هُوَ جَمْعٌ وَاحِدُهُ بُنْيَانَةٌ، وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=12095أَبُو عَلِيٍّ :
كَبُنْيَانَةِ الْقَارِي مَوْضِعُ رِجْلِهَا ... وَآثَارِ نَسْعَيْهَا مِنَ الدَّفِّ أَبْلَقُ
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: "عَلَى تَقْوَى"، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16748عِيسَى بْنُ عُمَرَ : "عَلَى تَقْوًى" بِتَنْوِينِ الْوَاوِ، حَكَى هَذِهِ الْقِرَاءَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَرَدَّهَا النَّاسُ، قَالَ
أَبُو الْفَتْحِ: قِيَاسُهَا أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ لِلْإِلْحَاقِ كَأَرْطَى وَنَحْوِهِ.
وَأَمَّا الْمُرَادُ بِالْبُنْيَانِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَالرِّضْوَانِ فَهُوَ -فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ- الْمَسْجِدُ الْمَذْكُورُ قَبْلُ، وَيَطَّرِدُ فِيهِ الْخِلَافُ الْمُتَقَدِّمُ، وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْمُؤَسَّسِ عَلَى التَّقْوَى هُوَ
مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِأَنَّهُ أُسِّسَ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ، وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ هُوَ
مَسْجِدٌ قُبَاءٍ، وَأَمَّا الْبُنْيَانُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَهُوَ
مَسْجِدُ الضِّرَارِ بِإِجْمَاعٍ.
[ ص: 412 ] وَالشَّفَا: الْحَاشِيَةُ وَالشَّفِيرُ. وَالْجُرُفُ: الْحَفِيرُ حَوْلَ الْبِئْرِ وَنَحْوُهُ مِمَّا جَرَفَتْهُ السُّيُولُ وَالنَّدْوَةُ وَالْبِلَى. وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17192وَنَافِعٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12114وَأَبُو عَمْرٍو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ ، وَجَمَاعَةٌ: "جُرُفٍ" بِضَمِّ الرَّاءِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابْنُ عَامِرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16273وَعَاصِمٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وَحَمْزَةُ ، وَجَمَاعَةٌ: "جُرْفٍ" بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَاخْتُلِفَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عَاصِمٍ ، وَهُمَا لُغَتَانِ، وَقِيلَ: الْأَصْلُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا بَعْدَ ذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ. وَ"هَارٍ" مَعْنَاهُ: مُتَهَدِّمٌ مُنْهَالٌ، مَنْ هَارَ يَهُورُ، وَيُقَالُ: هَارَ يَهِيرُ وَيَهَارُ، وَأَصْلُهُ: هَايِرٌ أَوْ هَاوِرٌ، فَقِيلَ: قُلِبَتْ رَاؤُهُ قَبْلَ حَرْفِ الْعِلَّةِ فَجَاءَ هَارُو أَوْ هَارِي، فَصُنِعَ بِهِ مَا صُنِعَ بِقَاضٍ وَغَازٍ، وَعَلَى هَذَا يُقَالُ فِي حَالِ النَّصْبِ: هَارِيًا، وَمِثْلُهُ "فِي يَوْمٍ رَاحٍ" أَصْلُهُ: رَائِحٍ، وَمِثْلُهُ "شَاكِي السِّلَاحِ" أَصْلُهُ: شَائِكٌ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ
الْعَجَّاجِ :
لَاثٍ بِهِ الْأَشَاءُ وَالْعُبْرِي
أَصْلُهُ: لَائِثٌ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
...................... ... خَفَضُوا أَسِنَّتَهُمْ فَكُلٌّ نَاعٍ
عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مِنْ "نَعَى يَنْعِي" وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: "يَا ثَارَّاتِ فُلَانٍ"، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ: "فَكُلُّهُمْ نَائِعٌ" أَيْ عَاطِشٌ كَمَا قَالَ
عُمَيْرُ بْنُ شِيَيْمِ: [ ص: 413 ] ......................... ... وَالْأَسَلَ النِّيَاعَا
وَقِيلَ فِي "هَارٍ": إِنَّ حَرْفَ عِلَّتِهِ حُذِفَ حَذْفًا، فَعَلَى هَذَا يَجْرِي بِوُجُوهِ الْإِعْرَابِ فَتَقُولُ: جَرْفٌ هَارٌ، وَرَأَيْتَ جَرْفًا هَارًا، وَمَرَرْتُ بِحَرْفٍ هَارٍ. وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي إِمَالَةِ "هَارٍ" وَ"انْهَارَ".
وَتَأْسِيسُ الْبِنَاءِ عَلَى تَقْوَى إِنَّمَا هُوَ بِحُسْنِ النِّيَّةِ فِيهِ وَقَصْدِ وَجْهِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَإِظْهَارِ شَرْعِهِ، كَمَا صَنَعَ فِي
مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي
مَسْجِدِ قُبَاءٍ. وَالتَّأْسِيسُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ إِنَّمَا هُوَ بِفَسَادِ النِّيَّةِ وَقَصْدِ الرِّيَاءِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَهَذِهِ تَشْبِيهَاتٌ صَحِيحَةٌ بَارِعَةٌ. وَ"خَيْرٌ" فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَفْضِيلٌ، وَلَا شَرِكَةَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي خَيْرٍ إِلَّا عَلَى مُعْتَقَدِ بَانِي
مَسْجِدِ الضِّرَارِ، فَبِحَسَبِ ذَلِكَ الْمُعْتَقَدِ صَحَّ التَّفْضِيلُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ الظَّاهِرُ مِنْهُ وَمِمَّا صَحَّ مِنْ خَبَرِهِمْ وَهَدْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُمْ أَنَّهُ خَارِجٌ مَخْرَجَ الْمَثَلِ، أَيْ: مَثَلُ هَؤُلَاءِ الْمُضَارِّينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي قَصْدِهِمْ مَعْصِيَةَ اللَّهِ وَحُصُولِهِمْ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سُخْطِهِ كَمَنْ يَنْهَارُ بُنْيَانُهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، ثُمَّ اقْتُضِبَ الْكَلَامُ اقْتِضَابًا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ. وَقِيلَ: بَلْ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ وَإِنَّ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ بِعَيْنِهِ انْهَارَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ . وَرُوِيَ
عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ الدُّخَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُ حِينَ انْهَارَ حَتَّى بَلَغَ الْأَرْضَ السَّابِعَةَ فَفَزِعَ لِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَرُوِيَ أَنَّهُمْ لَمْ يُصَلُّوا فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَكْمَلُوهُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَصَلَّوْا فِيهِ يَوْمَ الْجُمْعَةِ وَلَيْلَةَ السَّبْتِ وَانْهَارَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ.
[ ص: 414 ] قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَهَذَا كُلُّهُ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ، وَمَا قَدَّمْنَاهُ أَصْوَبُ وَأَصَحُّ، وَكَذَلِكَ بَقِيَ أَمْرُهُ وَالصَّلَاةُ فِيهِ مِنْ قَبْلِ سَفَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى
تَبُوكَ إِلَى أَنْ أَقْفَلَ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ طَعْنٌ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَإِشَارَةٌ إِلَيْهِمْ، وَالْمَعْنَى: لَا يَهْدِيهِمْ مِنْ حَيْثُ هُمْ ظَالِمُونَ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ الْخُصُوصَ فِيمَنْ يُوَافِي عَلَى ظُلْمِهِ، وَأَسْنَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ عَنْ
خَلَفِ بْنِ يَاسِينَ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ مَسْجِدَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فَرَأَيْتُ فِيهِ مَكَانًا يَخْرُجُ مِنْهُ الدُّخَانُ، وَذَلِكَ فِي زَمَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15337أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ . وَرُوِيَ شَبِيهٌ بِهَذَا أَوْ نَحْوِهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، أَسْنَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ .