[ ص: 608 ] قوله عز وجل:
ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا
أفرد الجنة من حيث الوجود، كذلك إذ لا يدخلهما معا في وقت واحد، وظلمه لنفسه: كفره وعقائده الفاسدة في فقد نص على ذلك الشك في البعث، ، قتادة ، وفي شكه في حدوث العالم إن كانت إشارته بـ "هذه" إلى الهيئة من السماوات والأرض وأنواع المخلوقات، وإن كانت إشارته إلى جنته فقط فإنما في الكلام تساخف واغترار وقلة تحصيل، وكأنه من شدة العجب بها والسرور أفرط في وصفها بهذا القول، ثم قاس أيضا الآخرة على الدنيا، وظن أنه لم يمل له في دنياه إلا لكرامة يستوجبها في نفسه، قال: فإن كان ثم رجوع كما تزعم فسيكون حالي كذا وكذا، وليست مقالة العاصي بن وائل لخباب على حد هذه، بل قصد العاصي الاستخفاف على جهة التصميم على التكذيب. وابن زيد
وقرأ ، ابن كثير ، ونافع وابن عامر ، وثبت في مصاحف وابن الزبير، المدينة "منهما" يريد الجنتين المذكورتين أولا، وقرأ أبو عمرو، ، وعاصم ، وحمزة ، والعامة، وكذلك هو في مصحف أهل والكسائي البصرة : "منها"، يريد الجنة المدخولة.
وقوله: قال له صاحبه حكاية أن المؤمن من الرجلين لما سمع كلام الكافر وقفه -على جهة التوبيخ- على كفره بالله تعالى، وقرأ "وهو يخاصمه"، وقرأ أبي بن كعب: "ويلك أكفرت"، ثم جعل يعظم الله تعالى عنده بأوصاف تضمنت النعم والدلائل على ثابت البناني: . وقوله: جواز البعث من القبور من تراب إشارة إلى آدم صلى الله عليه وسلم. وقوله: سواك رجلا كما تقول: سواك شخصا أو حيا أو نحو هذا من التأكيدات، وقد يحتمل أنه قصد تخصيص الرجولة على وجه تعديد النعمة في أن لم يكن أنثى ولا خنثى، وذكر نحو هذا. الطبري
[ ص: 609 ] واختلفت القراءة في قوله: "لكنا"، فقرأ ، ابن عامر -في رواية ونافع المسيلي: "لكنا" في الوصل والوقف. وقرأ ، ابن كثير وأبو عمرو، ، وعاصم ، وحمزة ، "لكن" في الوصل، و"لكنا" في الوقف، ورجحها والكسائي ، وهي رواية الطبري ورش، عن وقالون وقرأ نافع ، ابن مسعود وأبي بن كعب، "لكن أنا هو الله ربي"، وفي قراءة والحسن: ، عيسى الثقفي -بخلاف- "لكن هو الله ربي"، فأما هذه الأخيرة فبين على الأمر والشأن، وأما الذي قبلها فعلى معنى: لكن أنما أقول. ومن هذه الفرقة من قرأ: "لكننا" على حذف الهمزة وتخفيف التنوين، وفي هذا نظر، وأما من قرأ: "لكنا" فأصله عنده "لكن أنا" حذفت الهمزة على غير قياس وأدغمت النون في النون، وقد قال بعض النحويين: نقلت حركة الهمزة إلى النون فجاء "لكننا" ثم أدغمت بعد ذلك فجاء "لكنا"، فرأى بعض القراء أن بالإدغام استغني عن الألف الأخيرة، فمنهم من حذفها في الوصل، ومنهم من أثبتها في الوصل والوقف لتدل على أصل الكلمة، ويتوجه في "لكنا" أن تكون "لكن" لحقتها نون الجماعة التي في "خرجنا وضربنا"، ووقع الإدغام لاجتماع المثلين، ثم وحد في "ربي" على المعنى، ولو اتبع اللفظ لقال: "ربنا" ذكره والأعمش . ويترجح بهذا التعليل قول من أثبت الألف في حالي الوصل والوقف. ويتوجه في "لكنا" أن تكون المشهورة من أخوات "إن"، والمعنى: "لكن قولي هو الله ربي"، إلا أني لا أعرف من يقرأ بها وصلا ووقفا، وذلك يلزم من يوجه هذا الوجه. وروى أبو علي هارون عن "لكنه هو الله ربي" بضمير لحق "لكن". وباقي الآية بين. أبي عمرو
وقوله تعالى: ولولا إذ دخلت الآية. وصية من المؤمن للكافر، و"لولا" تحضيض، بمعنى: هلا، و"ما" يحتمل أن تكون بمعنى "الذي"، بتقدير: "الذي شاء الله كائن"، وفي "شاء" ضمير عائد، ويحتمل أن تكون شرطية بتقدير: "ما شاء الله كان"، ويحتمل أن تكون خبر ابتداء محذوف تقديره: "هو ما شاء الله، أو الأمر ما شاء الله". وقوله: لا قوة إلا بالله تسليم وصد لقول الكافر: ما أظن أن تبيد هذه أبدا ، وروي : "ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة؟" قال: بلى يا رسول الله، قال: "لا قوة إلا بالله، إذا قالها العبد قال الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم". لأبي هريرة [ ص: 610 ] وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أبي موسى عبد الله بن قيس: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة"؟ قال: افعل يا رسول الله، قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". "يا
واختلفت القراءة في حذف الياء من "ترن" وإثباتها، فأثبتها وصلا ووقفا، وحذفها ابن كثير ، ابن عامر ، وعاصم فيهما، وأثبتها وحمزة ، نافع في الوصل فقط. وقرأ الجمهور: "أقل" بالنصب على المفعول الثاني، وقوله: "أنا" فاصلة ملغاة، وقرأ وأبو عمرو "أقل" بالرفع على أن يكون "أنا" مبتدأ و "أقل" خبره، والجملة في موضع المفعول الثاني، والرؤية رؤية القلب في هذه الآية. عيسى بن عمر: