يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين .
يا أيها الذين آمنوا : [ ص: 259 ] أقبل عليهم بالخطاب؛ إثر بيان ما بين بطريق الغيبة؛ مبالغة في إيجاب العمل بموجب النهي؛ لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ؛ أي: لا تحبطوا أجرها بواحد منهما؛ كالذي : في محل النصب؛ إما على أنه نعت لمصدر محذوف؛ أي: لا تبطلوها إبطالا كإبطال الذي؛ ينفق ماله رئاء الناس ؛ وإما على أنه حال من فاعل "تبطلوا"؛ أي: لا تبطلوها مشابهين الذي ينفق؛ أي: الذي يبطل إنفاقه بالرياء؛ وقيل: من ضمير المصدر المقدر؛ على ما هو رأي وانتصاب "رئاء" إما على أنه علة لـ "ينفق"؛ أي: لأجل رئائهم؛ أو على أنه حال من فاعله؛ أي: ينفق ماله مرائيا؛ والمراد به المنافق؛ لقوله (تعالى): سيبويه؛ ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ؛ حتى يرجو ثوابا؛ أو يخشى عقابا؛ فمثله ؛ الفاء لربط ما بعدها بما قبلها؛ أي: فمثل المرائي في الإنفاق؛ وحالته العجيبة؛ كمثل صفوان ؛ أي: حجر أملس؛ عليه تراب ؛ أي: شيء يسير منه؛ فأصابه وابل ؛ أي: مطر عظيم القطر؛ فتركه صلدا ؛ ليس عليه شيء من الغبار أصلا؛ لا يقدرون على شيء مما كسبوا ؛ لا ينتفعون بما فعلوا رئاء؛ ولا يجدون له ثوابا قطعا؛ كقوله (تعالى): فجعلناه هباء منثورا ؛ والجملة استئناف؛ مبني على السؤال؛ كأنه قيل: فماذا يكون حالهم حينئذ؟ فقيل: لا يقدرون.. إلخ.. ومن ضرورة كون مثلهم كما ذكر كون مثل من يشبههم؛ وهم أصحاب المن؛ والأذى؛ كذلك؛ والضميران الأخيران للموصول؛ باعتبار المعنى؛ كما في قوله - عز وجل - وخضتم كالذي خاضوا ؛ لما أن المراد به الجنس؛ أو الجمع؛ أو الفريق؛ كما أن الضمائر الأربعة السابقة له باعتبار اللفظ؛ والله لا يهدي القوم الكافرين ؛ إلى الخير؛ والرشاد؛ والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله؛ وفيه تعريض بأن كلا من الرياء؛ والمن؛ والأذى؛ من خصائص الكفار؛ ولا بد للمؤمنين أن يجتنبوها.