والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين بتوفيقهم للطاعة وحيازة الفضائل ، فإن المؤمن إذا ساعده أهله في طاعة الله عز وجل وشاركوه فيها يسر بهم قلبه وتقر بهم عينه لما يشاهده من مشايعتهم له في مناهج الدين وتوقع لحوقهم به في الجنة حسبما وعد بقوله تعالى : ألحقنا بهم ذريتهم . و"من" ابتدائية أو بيانية ، وقرئ : "وذريتا" . وتنكير الأعين لإرادة تنكير القرة تعظيما ، وتقليلها لأن المراد أعين المتقين ولا ريب في قلتها نظرا إلى غيرها .
واجعلنا للمتقين إماما أي : اجعلنا بحيث يقتدون بنا في إقامة مواسم الدين بإفاضة العلم والتوفيق للعمل ، وتوحيده للدلالة على الجنس وعدم الإلباس كقوله تعالى : ثم يخرجكم طفلا ، أو لأن المراد : واجعل كل واحد منا إماما ، أو لأنهم كنفس واحدة لاتحاد طريقتهم واتفاق كلمتهم كذا قالوا ، وأنت خبير بأن مدار الكل صدور هذا الدعاء إما عن الكل بطريق المعية وأنه محال لاستحالة اجتماعهم في عصر واحد فما ظنك باجتماعهم في مجلس واحد واتفاقهم على كلمة واحدة ، وإما عن كل واحد منهم بطريق تشريك غيره في استدعاء الإمامة وأنه ليس بثابت جزما ، بل الظاهر صوره عنهم بطريق الانفراد وأن عبارة كل واحد منهم عند الدعاء : "واجعلني للمتقين إماما" خلا أنه حكيت عبارات الكل بصيغة المتكلم مع الغير للقصد إلى الإيجاز على طريقة قوله تعالى : يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا وأبقي إماما على حاله ، وقيل : الإمام جمع "آم" بمعنى : قاصد كصيام جمع صائم ، ومعناه : قاصدين لهم مقتدين بهم . وإعادة الموصول في المواقع السبعة مع كفاية ذكر الصلات بطريق العطف على صلة الموصول الأول للإيذان بأن كل واحد مما ذكر في حيز صلة الموصولات المذكورة وصف جليل على حياله له شأن خطير حقيق بأن يفرد له موصوف مستقل ولا يجعل شيء من ذلك تتمة لغيره . وتوسيط العاطف بين الموصولات لتنـزيل الاختلاف العنواني منزلة الاختلاف الذاتي كما في قوله :
إلى الملك القرم وابن الهمام ... وليث الكتائب في المزدحم