وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم
وما كان لبشر أي: وما صح لفرد من أفراد البشر. أن يكلمه الله بوجه من الوجوه. إلا وحيا أي: إلا بأن يوحي إليه ويلهمه ويقذف في قلبه كما أوحى إلى أم موسى وإلى إبراهيم عليهما السلام في ذبح ولده، وقد روي عن أوحى الله الزبور إلى مجاهد داود عليه السلام في صدره أو بأن يسمعه كلامه الذي يخلقه في بعض الأجرام من غير أن يبصر السامع من يكلمه وهو المراد بقوله تعالى: أو من وراء حجاب فإنه تمثيل له بحال الملك المحتجب الذي يكلم بعض خواصه من وراء الحجاب يسمع صوته ولا يرى شخصه، وذلك كما كلم موسى وكما يكلم الملائكة عليهم السلام، أو بأن يكلمه بواسطة الملك وذلك قوله تعالى: أو يرسل رسولا أي: ملكا فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه الذي هو الرسول البشرى. بإذنه أي: بأمره تعالى وتيسيره. ما يشاء أن يوحيه إليه وهذا هو الذي يجري بينه تعالى وبين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في عامة الأوقات من الكلام. وقيل: قوله تعالى وحيا وقوله تعالى أو يرسل مصدران واقعان موقع الحال وقوله تعالى: أو من وراء حجاب ظرف واقع موقعها، والتقدير: وما صح أن يكلم إلا موحيا أو مسمعا من وراء حجاب أو مرسلا، وقرئ "أو يرسل" بالرفع على إضمار مبتدأ. وروي أن اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى ونظر إليه فإنا لن نؤمن حتى تفعل ذلك فقال عليه السلام: لم ينظر موسى عليه السلام إلى الله تعالى فنزلت. وعن رضي الله عنها من زعم أن عائشة محمدا رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية، ثم قالت رضي الله عنها: [ ص: 38 ] أولم تسمعوا ربكم يقول فتلت هذه الآية. إنه علي متعال عن صفات المخلوقين لا يتأتى جريان المفاوضة بينه تعالى وبينهم إلا بأحد الوجوه المذكورة. حكيم يجري أفعاله على سنن الحكمة فيكلم تارة بواسطة وأخرى بدونها إما إلهاما وإما خطابا.