ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم
وقوله تعالى: ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض استشهاد على شمول شهادته تعالى كما في قوله تعالى: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه وفي قوله تعالى: ألم تر أنهم في كل واد يهيمون أي: ألم تعلم علما يقينيا متاخما للمشاهدة بأنه تعالى يعلم ما فيهما من الموجودات سواء كان ذلك بالاستقرار فيهما أو بالجزئية منهما، وقوله تعالى: ما يكون من نجوى ثلاثة ...إلخ. استئناف مقرر لما قبله من سعة علمه تعالى ومبين لكيفيته ويكون من كان التامة، وقرئ "تكون" بالتاء اعتبارا لتأنيث النجوى وإن كان غير حقيقي أي: ما يقع من تناجي ثلاثة نفر أي: من مسارتهم على أن نجوى مضافة إلى ثلاثة أو على أنها موصوفة بها إما بتقدير مضاف أي: من أهل نجوى ثلاثة أو بجعلهم نجوى في أنفسهم. إلا هو أي: الله عز وجل. رابعهم أي: جاعلهم أربعة من حيث إنه تعالى يشاركهم في الإطلاع عليها وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال. ولا خمسة ولا نجوى خمسة. إلا هو سادسهم وتخصيص العددين بالذكر إما لخصوص الواقعة فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين وإما لبناء الكلام على أغلب عادات المتناجين وقد عمم الحكم بعد [ ص: 219 ] ذلك فقيل: ولا أدنى من ذلك أي: مما ذكر كالواحد والاثنين. ولا أكثر كالستة وما فوقها. إلا هو معهم يعلم ما يجري بينهم، وقرئ "ولا أكثر" بالرفع عطفا على محل " من نجوى" أو محل "ولا أدنى" بأن جعل "لا" لنفي الجنس. أين ما كانوا من الأماكن ولو كانوا تحت الأرض فإن علمه تعالى بالأشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الأمكنة قربا وبعدا. ثم ينبئهم وقرئ "ينبئهم" بالتخفيف. بما عملوا يوم القيامة تفضيحا لهم وإظهارا لما يوجب عذابهم. إن الله بكل شيء عليم لأن نسبة ذاته المقتضية للعلم إلى الكل سواء.