ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير
(41) نبه تعالى عباده على عظمته، وكمال سلطانه، وافتقار جميع المخلوقات له في ربوبيتها وعبادتها، فقال: ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض من حيوان وجماد والطير صافات أي: صافات أجنحتها، في جو السماء، تسبح ربها. كل من هذه المخلوقات قد علم صلاته وتسبيحه أي: كل له صلاة وعبادة بحسب حاله اللائقة به، وقد ألهمه الله تلك الصلاة والتسبيح إما بواسطة الرسل، كالجن والإنس والملائكة، وإما بإلهام منه تعالى، كسائر المخلوقات غير ذلك. وهذا الاحتمال أرجح؛ بدليل قوله: والله عليم بما يفعلون أي: علم جميع [ ص: 1172 ] أفعالها، فلم يخف عليه منه شيء، وسيجازيهم بذلك، فيكون على هذا قد جمع بين علمه بأعمالها، وذلك بتعليمه، وبين علمه بأعمالهم المتضمن للجزاء.
ويحتمل أن الضمير في قوله: قد علم صلاته وتسبيحه يعود إلى الله، وأن الله تعالى قد علم عباداتهم، وإن لم تعلموا - أيها العباد - منها إلا ما أطلعكم الله عليه، وهذه الآية كقوله تعالى: تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا . (42) فلما بين عبوديتهم وافتقارهم إليه - من جهة العبادة والتوحيد - بين افتقارهم من جهة الملك والتربية والتدبير فقال: ولله ملك السماوات والأرض خالقهما ورازقهما، والمتصرف فيهما، في حكمه الشرعي والقدري في هذه الدار، وفي حكمه الجزائي بدار القرار، بدليل قوله: وإلى الله المصير أي: مرجع الخلق ومآلهم؛ ليجازيهم بأعمالهم.