وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون فأغويناكم إنا كنا غاوين فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون إنا كذلك نفعل بالمجرمين إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أإنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون بل جاء بالحق وصدق المرسلين إنكم لذائقو العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون
(27-28) لما جمعوا هم وأزواجهم وآلهتهم، وهدوا إلى صراط الجحيم، ووقفوا فسئلوا، فلم يجيبوا، أقبلوا فيما بينهم، يلوم بعضهم بعضا على إضلالهم وضلالهم، فقال الأتباع للمتبوعين الرؤساء: إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين أي: بالقوة والغلبة، فتضلونا، ولولا أنتم لكنا مؤمنين.
(29-32 قالوا لهم بل لم تكونوا مؤمنين أي: ما زلتم مشركين، كما نحن مشركون، فأي شيء فضلكم علينا؟ وأي شيء يوجب لومنا؟
( و ) الحال أنه " ما كان لنا عليكم من سلطان " أي: قهر لكم على اختيار الكفر بل كنتم قوما طاغين متجاوزين للحد ، فحق علينا نحن وإياكم قول ربنا إنا لذائقون العذاب، أي: حق علينا قدر ربنا وقضاؤه، إنا وإياكم سنذوق العذاب، ونشترك في العقاب.
( فـ ) لذلك " أغويناكم إنا كنا غاوين " أي: دعوناكم إلى طريقتنا التي نحن عليها، وهي الغواية، فاستجبتم لنا، فلا تلومونا ولوموا أنفسكم.
(33-34) قال تعالى: فإنهم يومئذ أي: يوم القيامة في العذاب مشتركون وإن تفاوتت مقادير عذابهم بحسب جرمهم.
كما اشتركوا في الدنيا على الكفر، اشتركوا في الآخرة بجزائه، ولهذا قال: إنا كذلك نفعل بالمجرمين
(35-36) ثم ذكر أن إجرامهم، قد بلغ الغاية وجاوز النهاية فقال: إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله فدعوا إليها، وأمروا بترك إلهية ما سواه يستكبرون عنها وعلى من جاء بها.
ويقولون معارضة لها أإنا لتاركو آلهتنا التي لم نزل نعبدها نحن وآباؤنا لقول " شاعر مجنون " يعنون [ ص: 1468 ] محمدا صلى الله عليه وسلم. فلم يكفهم - قبحهم الله - الإعراض عنه، ولا مجرد تكذيبه، حتى حكموا عليه بأظلم الأحكام، وجعلوه شاعرا مجنونا، وهم يعلمون أنه لا يعرف الشعر والشعراء، ولا وصفه وصفهم، وأنه أعقل خلق الله، وأعظمهم رأيا.
(37) ولهذا قال تعالى، ناقضا لقولهم: بل جاء محمد بالحق أي: مجيئه حق، وما جاء به من الشرع والكتاب حق. وصدق المرسلين أي: ومجيئه صدق المرسلين، فلولا مجيئه وإرساله لم يكن الرسل صادقين، فهو آية ومعجزة لكل رسول قبله، لأنهم أخبروا به وبشروا، وأخذ الله عليهم العهد والميثاق، لئن جاءهم ليؤمنن به ولينصرنه، وأخذوا ذلك على أممهم، فلما جاء ظهر صدق الرسل الذين قبله، وتبين كذب من خالفهم، فلو قدر عدم مجيئه، وهم قد أخبروا به لكان ذلك قادحا في صدقهم. وصدق أيضا المرسلين، بأن جاء بما جاءوا به، ودعا إلى ما دعوا إليه، وآمن بهم، وأخبر بصحة رسالتهم ونبوتهم وشرعهم.
(38-39) ولما كان قولهم السابق: إنا لذائقون قولا صادرا منهم يحتمل أن يكون صدقا أو غيره، أخبر تعالى بالقول الفصل الذي لا يحتمل غير الصدق واليقين، وهو الخبر الصادر منه تعالى، فقال: إنكم لذائقو العذاب الأليم أي: المؤلم الموجع. وما تجزون في إذاقة العذاب الأليم إلا ما كنتم تعملون فلم نظلمكم، وإنما عدلنا فيكم؟
ولما كان هذا الخطاب لفظه عاما، والمراد به المشركون استثنى تعالى المؤمنين فقال: