تفسير سورة البقرة
وهي مدنية
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=32450_34237_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=treesubj&link=28867_29785_32238_34225_34226_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين nindex.php?page=treesubj&link=28735_28739_29692_30172_30179_34134_34296_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون nindex.php?page=treesubj&link=28739_29778_30179_34296_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون nindex.php?page=treesubj&link=19881_29680_30495_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون
تقدم الكلام على البسملة.
(1) وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28741_28900_18626الحروف المقطعة في أوائل السور ، فالأسلم فيها، السكوت عن التعرض لمعناها من غير مستند شرعي ، مع الجزم بأن الله تعالى لم ينزلها عبثا بل لحكمة لا نعلمها.
(2) وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذلك الكتاب أي
nindex.php?page=treesubj&link=32238_28424_20752هذا الكتاب العظيم الذي هو الكتاب على الحقيقة ، المشتمل على ما لم تشتمل عليه كتب المتقدمين والمتأخرين من العلم العظيم والحق المبين؛ فـ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2لا ريب فيه ولا شك بوجه من الوجوه، ونفي الريب
[ ص: 35 ] عنه، يستلزم ضده، إذ ضد الريب والشك اليقين، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين المزيل للشك والريب.
وهذه قاعدة مفيدة، أن النفي المقصود به المدح، لا بد أن يكون متضمنا لضده، وهو الكمال، لأن النفي عدم، والعدم المحض، لا مدح فيه.
فلما اشتمل على اليقين وكانت الهداية لا تحصل إلا باليقين قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين nindex.php?page=treesubj&link=19881والهدى: ما تحصل به الهداية من الضلالة والشبه ، وما به الهداية إلى سلوك الطرق النافعة، وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى وحذف المعمول، فلم يقل هدى للمصلحة الفلانية، ولا للشيء الفلاني، لإرادة العموم، وأنه هدى لجميع مصالح الدارين، فهو مرشد للعباد في المسائل الأصولية والفروعية، ومبين للحق من الباطل، والصحيح من الضعيف، ومبين لهم كيف يسلكون الطرق النافعة لهم، في دنياهم وأخراهم.
وقال في موضع آخر:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=4هدى للناس فعمم، وفي هذا الموضع وغيره
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين لأنه في نفسه هدى لجميع الخلق. فالأشقياء لم يرفعوا به رأسا، ولم يقبلوا هدى الله، فقامت عليهم به الحجة، ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون الذين أتوا بالسبب الأكبر، لحصول الهداية، وهو
nindex.php?page=treesubj&link=19862التقوى التي حقيقتها: اتخاذ ما يقي سخط الله وعذابه، بامتثال أوامره، واجتناب النواهي، فاهتدوا به، وانتفعوا غاية الانتفاع. قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا nindex.php?page=treesubj&link=19863_19881فالمتقون هم المنتفعون بالآيات القرآنية، والآيات الكونية .
ولأن الهداية نوعان: هداية البيان، وهداية التوفيق. فالمتقون حصلت لهم الهدايتان، وغيرهم لم تحصل لهم هداية التوفيق. وهداية البيان بدون توفيق للعمل بها، ليست هداية حقيقية تامة .
ثم وصف المتقين بالعقائد والأعمال الباطنة، والأعمال الظاهرة، لتضمن التقوى لذلك فقال:
(3)
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الذين يؤمنون بالغيب nindex.php?page=treesubj&link=28647حقيقة الإيمان: هو التصديق التام بما أخبرت به الرسل، المتضمن لانقياد الجوارح، وليس الشأن في الإيمان بالأشياء المشاهدة بالحس، فإنه لا يتميز بها المسلم من الكافر. إنما الشأن في الإيمان بالغيب، الذي لم نره ولم نشاهده، وإنما نؤمن به، لخبر الله وخبر رسوله.
[ ص: 36 ]
فهذا
nindex.php?page=treesubj&link=28647_28739الإيمان الذي يميز به المسلم من الكافر، لأنه تصديق مجرد لله ورسله. فالمؤمن يؤمن بكل ما أخبر الله به، أو أخبر به رسوله، سواء شاهده، أو لم يشاهده وسواء فهمه وعقله، أو لم يهتد إليه عقله وفهمه. بخلاف الزنادقة والمكذبين بالأمور الغيبية، لأن عقولهم القاصرة المقصرة لم تهتد إليها فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ففسدت عقولهم، ومرجت أحلامهم. وزكت عقول المؤمنين المصدقين المهتدين بهدى الله.
ويدخل في
nindex.php?page=treesubj&link=28647_28726الإيمان بالغيب، الإيمان ب بجميع ما أخبر الله به من الغيوب الماضية والمستقبلة، وأحوال الآخرة، وحقائق أوصاف الله وكيفيتها، وما أخبرت به الرسل من ذلك فيؤمنون بصفات الله ووجودها، ويتيقنونها، وإن لم يفهموا كيفيتها.
ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3ويقيمون الصلاة لم يقل: يفعلون الصلاة، أو يأتون بالصلاة، لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة.
nindex.php?page=treesubj&link=25353فإقامة الصلاة، إقامتها ظاهرا، بإتمام أركانها، وواجباتها، وشروطها. وإقامتها باطنا بإقامة روحها، وهو حضور القلب فيها، وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وهي التي يترتب عليها الثواب. فلا ثواب للإنسان من صلاته، إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها.
ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3ومما رزقناهم ينفقون يدخل فيه
nindex.php?page=treesubj&link=25334_26727_32946النفقات الواجبة كالزكاة، والنفقة على الزوجات والأقارب والمماليك ونحو ذلك.
nindex.php?page=treesubj&link=23468والنفقات المستحبة بجميع طرق الخير. ولم يذكر المنفق عليهم، لكثرة أسبابه وتنوع أهله، ولأن النفقة من حيث هي، قربة إلى الله، وأتى ب " من " الدالة على التبعيض، لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءا يسيرا من أموالهم، غير ضار لهم ولا مثقل، بل ينتفعون هم بإنفاقه، وينتفع به إخوانهم.
وفي قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3رزقناهم إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم، ليست حاصلة بقوتكم وملككم، وإنما هي رزق الله الذي خولكم، وأنعم به عليكم،
nindex.php?page=treesubj&link=19614فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده، فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم ، وواسوا إخوانكم المعدمين.
وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن؛ لأن الصلاة متضمنة
[ ص: 37 ] للإخلاص للمعبود، والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود، وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان.
(4) ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4والذين يؤمنون بما أنزل إليك وهو القرآن والسنة، قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول، ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه، فيؤمنون ببعضه، ولا يؤمنون ببعضه، إما بجحده أو تأويله، على غير مراد الله ورسوله، كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة، الذين يؤولون النصوص الدالة على خلاف قولهم، بما حاصله عدم التصديق بمعناها، وإن صدقوا بلفظها، فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وما أنزل من قبلك يشمل الإيمان بالكتب السابقة، ويتضمن
nindex.php?page=treesubj&link=28739_28739_30172الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل وبما اشتملت عليه، خصوصا التوراة والإنجيل والزبور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بجميع الكتب السماوية وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم.
ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وبالآخرة هم يوقنون و " الآخرة "اسم لما يكون بعد الموت، وخصه بالذكر بعد العموم، لأن
nindex.php?page=treesubj&link=30179الإيمان باليوم الآخر، أحد أركان الإيمان; ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل، و " اليقين "هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك، الموجب للعمل.
(5)
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أولئك أي: الموصوفون بتلك الصفات الحميدة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5على هدى من ربهم أي: على هدى عظيم، لأن التنكير للتعظيم، وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة، وهل الهداية الحقيقية إلا هدايتهم، وما سواها مما خالفها ، فهو ضلالة.
وأتى بـ " على " في هذا الموضع، الدالة على الاستعلاء، وفي الضلالة يأتي بـ " في " كما في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين لأن صاحب الهدى مستعل بالهدى، مرتفع به، وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر.
ثم قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5وأولئك هم المفلحون nindex.php?page=treesubj&link=29680والفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من [ ص: 38 ] المرهوب ، حصر الفلاح فيهم; لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم، وما عدا تلك السبيل، فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك.
فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا، ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم، المعاندين للرسول، فقال:
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ
وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=32450_34237_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=1الم nindex.php?page=treesubj&link=28867_29785_32238_34225_34226_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ nindex.php?page=treesubj&link=28735_28739_29692_30172_30179_34134_34296_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ nindex.php?page=treesubj&link=28739_29778_30179_34296_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ nindex.php?page=treesubj&link=19881_29680_30495_34513_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ.
(1) وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28741_28900_18626الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي أَوَائِلِ السُّورِ ، فَالْأَسْلَمُ فِيهَا، السُّكُوتُ عَنِ التَّعَرُّضِ لِمَعْنَاهَا مِنْ غَيْرِ مُسْتَنِدٍ شَرْعِيٍّ ، مَعَ الْجَزْمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنَزِّلْهَا عَبَثًا بَلْ لِحِكْمَةٍ لَا نَعْلَمُهَا.
(2) وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2ذَلِكَ الْكِتَابُ أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=32238_28424_20752هَذَا الْكِتَابُ الْعَظِيمُ الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ عَلَى الْحَقِيقَة ، الْمُشْتَمِلُ عَلَى مَا لَمْ تَشْتَمِلْ عَلَيْهِ كُتُبُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْعِلْمِ الْعَظِيمِ وَالْحَقِّ الْمُبِينِ؛ فَـ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2لا رَيْبَ فِيهِ وَلَا شَكَّ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَنَفْيُ الرَّيْبِ
[ ص: 35 ] عَنْهُ، يَسْتَلْزِمُ ضِدَّهُ، إِذْ ضِدُّ الرَّيْبِ وَالشَّكِّ الْيَقِينُ، فَهَذَا الْكِتَابُ مُشْتَمِلٌ عَلَى عِلْمِ الْيَقِينِ الْمُزِيلِ لِلشَّكِّ وَالرَّيْبِ.
وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُفِيدَةٌ، أَنَّ النَّفْيَ الْمَقْصُودَ بِهِ الْمَدْحُ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا لِضِدِّهِ، وَهُوَ الْكَمَالُ، لِأَنَّ النَّفْيَ عَدَمٌ، وَالْعَدَمَ الْمَحْضَ، لَا مَدْحَ فِيهِ.
فَلَمَّا اشْتَمَلَ عَلَى الْيَقِينِ وَكَانَتِ الْهِدَايَةُ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالْيَقِينِ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ nindex.php?page=treesubj&link=19881وَالْهُدَى: مَا تَحْصُلُ بِهِ الْهِدَايَةُ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالشُّبَهِ ، وَمَا بِهِ الْهِدَايَةُ إِلَى سُلُوكِ الطُّرُقِ النَّافِعَةِ، وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى وَحَذَفَ الْمَعْمُولَ، فَلَمْ يَقُلْ هُدًى لِلْمَصْلَحَةِ الْفُلَانِيَّةِ، وَلَا لِلشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ، لِإِرَادَةِ الْعُمُومِ، وَأَنَّهُ هُدًى لِجَمِيعِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ، فَهُوَ مُرْشِدٌ لِلْعِبَادِ فِي الْمَسَائِلِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفُرُوعِيَّةِ، وَمُبَيِّنٌ لِلْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالصَّحِيحِ مِنَ الضَّعِيفِ، وَمُبَيِّنٌ لَهُمْ كَيْفَ يَسْلُكُونَ الطُّرُقَ النَّافِعَةَ لَهُمْ، فِي دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=4هُدًى لِلنَّاسِ فَعَمَّمَ، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ هُدًى لِجَمِيعِ الْخَلْقِ. فَالْأَشْقِيَاءُ لَمْ يَرْفَعُوا بِهِ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلُوا هُدَى اللَّهِ، فَقَامَتْ عَلَيْهِمْ بِهِ الْحُجَّةُ، وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ لِشَقَائِهِمْ، وَأَمَّا الْمُتَّقُونَ الَّذِينَ أَتَوْا بِالسَّبَبِ الْأَكْبَرِ، لِحُصُولِ الْهِدَايَةِ، وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=19862التَّقْوَى الَّتِي حَقِيقَتُهَا: اتِّخَاذُ مَا يَقِي سَخَطَ اللَّهِ وَعَذَابَهَ، بِامْتِثَالِ أَوَامِرِهِ، وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي، فَاهْتَدَوْا بِهِ، وَانْتَفَعُوا غَايَةَ الِانْتِفَاعِ. قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=29يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا nindex.php?page=treesubj&link=19863_19881فَالْمُتَّقُونَ هُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَالْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ .
وَلِأَنَّ الْهِدَايَةَ نَوْعَانِ: هِدَايَةُ الْبَيَانِ، وَهِدَايَةُ التَّوْفِيقِ. فَالْمُتَّقُونَ حَصَلَتْ لَهُمُ الْهِدَايَتَانِ، وَغَيْرُهُمْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُمْ هِدَايَةُ التَّوْفِيقِ. وَهِدَايَةُ الْبَيَانِ بِدُونِ تَوْفِيقٍ لِلْعَمَلِ بِهَا، لَيْسَتْ هِدَايَةً حَقِيقِيَّةً تَامَّةً .
ثُمَّ وَصَفَ الْمُتَّقِينَ بِالْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ الْبَاطِنَةِ، وَالْأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، لِتَضَمُّنِ التَّقْوَى لِذَلِكَ فَقَالَ:
(3)
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ nindex.php?page=treesubj&link=28647حَقِيقَةُ الْإِيمَانِ: هُوَ التَّصْدِيقُ التَّامُّ بِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ، الْمُتَضَمِّنُ لِانْقِيَادِ الْجَوَارِحِ، وَلَيْسَ الشَّأْنُ فِي الْإِيمَانِ بِالْأَشْيَاءِ الْمُشَاهَدَةِ بِالْحِسِّ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ بِهَا الْمُسْلِمُ مِنَ الْكَافِرِ. إِنَّمَا الشَّأْنُ فِي الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ، الَّذِي لَمْ نَرَهُ وَلَمْ نُشَاهِدْهُ، وَإِنَّمَا نُؤْمِنُ بِهِ، لِخَبَرِ اللَّهِ وَخَبَرِ رَسُولِهِ.
[ ص: 36 ]
فَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28647_28739الْإِيمَانُ الَّذِي يُمَيَّزُ بِهِ الْمُسْلِمُ مِنَ الْكَافِرِ، لِأَنَّهُ تَصْدِيقٌ مُجَرَّدٌ لِلَّهِ وَرُسُلِهِ. فَالْمُؤْمِنُ يُؤْمِنُ بِكُلِّ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ، أَوْ أَخْبَرَ بِهِ رَسُولَهُ، سَوَاءً شَاهَدَهُ، أَوْ لَمْ يُشَاهِدْهُ وَسَوَاءً فَهِمَهُ وَعَقَلَهُ، أَوْ لَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهِ عَقْلُهُ وَفَهْمُهُ. بِخِلَافِ الزَّنَادِقَةِ وَالْمُكَذِّبِينَ بِالْأُمُورِ الْغَيْبِيَّةِ، لِأَنَّ عُقُولَهُمُ الْقَاصِرَةَ الْمُقَصِّرَةَ لَمْ تَهْتَدِ إِلَيْهَا فَكَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ فَفَسَدَتْ عُقُولُهُمْ، وَمَرَجَتْ أَحْلَامُهُمْ. وَزُكَّتْ عُقُولُ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ الْمُهْتَدِينَ بِهُدَى اللَّهِ.
وَيَدْخُلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28647_28726الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ، الْإِيمَانُ بِ بِجَمِيعِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ، وَأَحْوَالِ الْآخِرَةِ، وَحَقَائِقِ أَوْصَافِ اللَّهِ وَكَيْفِيَّتِهَا، وَمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ فَيُؤْمِنُونَ بِصِفَاتِ اللَّهِ وَوُجُودِهَا، وَيَتَيَقَّنُونَهَا، وَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا كَيْفِيَّتَهَا.
ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ لَمْ يَقِلْ: يَفْعَلُونَ الصَّلَاةَ، أَوْ يَأْتُونَ بِالصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهَا مُجَرَّدُ الْإِتْيَانِ بِصُورَتِهَا الظَّاهِرَةِ.
nindex.php?page=treesubj&link=25353فَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ، إِقَامَتُهَا ظَاهِرًا، بِإِتْمَامِ أَرْكَانِهَا، وَوَاجِبَاتِهَا، وَشُرُوطِهَا. وَإِقَامَتُهَا بَاطِنًا بِإِقَامَةِ رُوحِهَا، وَهُوَ حُضُورُ الْقَلْبِ فِيهَا، وَتَدَبُّرُ مَا يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ مِنْهَا، فَهَذِهِ الصَّلَاةُ هِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَهِيَ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ. فَلَا ثَوَابَ لِلْإِنْسَانِ مِنْ صِلَاتِهِ، إِلَّا مَا عَقَلَ مِنْهَا، وَيَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ فَرَائِضُهَا وَنَوَافِلُهَا.
ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ يَدْخُلُ فِيهِ
nindex.php?page=treesubj&link=25334_26727_32946النَّفَقَاتُ الْوَاجِبَةُ كَالزَّكَاةِ، وَالنَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَاتِ وَالْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
nindex.php?page=treesubj&link=23468وَالنَّفَقَاتُ الْمُسْتَحَبَّةُ بِجَمِيعِ طُرُقِ الْخَيْرِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُنْفِقَ عَلَيْهِمْ، لِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَتَنَوُّعِ أَهْلِهِ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ، قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ، وَأَتَى بِ " مِنْ " الدَّالَّةِ عَلَى التَّبْعِيضِ، لِيُنَبِّهَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ إِلَّا جُزْءًا يَسِيرًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، غَيْرَ ضَارٍّ لَهُمْ وَلَا مُثْقَلٍ، بَلْ يَنْتَفِعُونَ هُمْ بِإِنْفَاقِهِ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ إِخْوَانُهُمْ.
وَفِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3رَزَقْنَاهُمْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، لَيْسَتْ حَاصِلَةً بِقُوَّتِكُمْ وَمُلْكِكُمْ، وَإِنَّمَا هِيَ رِزْقُ اللَّهِ الَّذِي خَوَّلَكُمْ، وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ،
nindex.php?page=treesubj&link=19614فَكَمَا أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ وَفَضَّلَكُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ، فَاشْكُرُوهُ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ ، وَوَاسُوا إِخْوَانَكُمُ الْمُعْدَمِينَ.
وَكَثِيرًا مَا يَجْمَعُ تَعَالَى بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُتَضَمِّنَةٌ
[ ص: 37 ] لِلْإِخْلَاصِ لِلْمَعْبُودِ، وَالزَّكَاةَ وَالنَّفَقَةَ مُتَضَمِّنَةٌ لِلْإِحْسَانِ عَلَى عَبِيدِهِ، فَعُنْوَانُ سَعَادَةِ الْعَبْدِ إِخْلَاصُهُ لِلْمَعْبُودِ، وَسَعْيُهُ فِي نَفْعِ الْخَلْقِ، كَمَا أَنَّ عُنْوَانَ شَقَاوَةِ الْعَبْدِ عَدَمُ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ، فَلَا إِخْلَاصَ وَلَا إِحْسَانَ.
(4) ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=113وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ فَالْمُتَّقُونَ يُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ بَعْضِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ، فَيُؤْمِنُونَ بِبَعْضِهِ، وَلَا يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِهِ، إِمَّا بِجَحْدِهِ أَوْ تَأْوِيلِهِ، عَلَى غَيْرِ مُرَادِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ مَنْ يَفْعَلُهُ مِنَ الْمُبْتَدَعَةِ، الَّذِينَ يُؤَوِّلُونَ النُّصُوصَ الدَّالَّةَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِمْ، بِمَا حَاصِلُهُ عَدَمُ التَّصْدِيقِ بِمَعْنَاهَا، وَإِنْ صَدَّقُوا بِلَفْظِهَا، فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا إِيمَانًا حَقِيقِيًّا.
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يَشْمَلُ الْإِيمَانَ بِالْكُتُبِ السَّابِقَةِ، وَيَتَضَمَّنُ
nindex.php?page=treesubj&link=28739_28739_30172الْإِيمَانُ بِالْكُتُبِ الْإِيمَانَ بِالرُّسُلِ وَبِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ، خُصُوصًا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالزَّبُورَ، وَهَذِهِ خَاصِّيَّةُ الْمُؤْمِنِينَ يُؤْمِنُونَ بِجَمِيعِ الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَبِجَمِيعِ الرُّسُلِ فَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ.
ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ وَ " الْآخِرَةُ "اسْمٌ لِمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ بَعْدَ الْعُمُومِ، لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30179الْإِيمَانَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ; وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ بَاعِثٍ عَلَى الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ وَالْعَمَلِ، وَ " الْيَقِينُ "هُوَ الْعِلْمُ التَّامُّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ أَدْنَى شَكٍّ، الْمُوجِبُ لِلْعَمَلِ.
(5)
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أُولَئِكَ أَيِ: الْمَوْصُوفُونَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الْحَمِيدَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ أَيْ: عَلَى هُدًى عَظِيمٍ، لِأَنَّ التَّنْكِيرَ لِلتَّعْظِيمِ، وَأَيُّ هِدَايَةٍ أَعْظَمُ مِنْ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْأَعْمَالِ الْمُسْتَقِيمَةِ، وَهَلِ الْهِدَايَةُ الْحَقِيقِيَّةُ إِلَّا هِدَايَتُهُمْ، وَمَا سِوَاهَا مِمَّا خَالَفَهَا ، فَهُوَ ضَلَالَةٌ.
وَأَتَى بِـ " عَلَى " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، الدَّالَّةِ عَلَى الِاسْتِعْلَاءِ، وَفِي الضَّلَالَةِ يَأْتِي بِـ " فِي " كَمَا فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=24وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهُدَى مُسْتَعْلٍ بِالْهُدَى، مُرْتَفِعٌ بِهِ، وَصَاحِبَ الضَّلَالِ مُنْغَمِسٌ فِيهِ مُحْتَقَرٌ.
ثُمَّ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ nindex.php?page=treesubj&link=29680وَالْفَلَاحُ هُوَ الْفَوْزُ بِالْمَطْلُوبِ وَالنَّجَاةُ مِنَ [ ص: 38 ] الْمَرْهُوبِ ، حَصَرَ الْفَلَاحُ فِيهِمْ; لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الْفَلَاحِ إِلَّا بِسُلُوكِ سَبِيلِهِمْ، وَمَا عَدَا تِلْكَ السَّبِيلِ، فَهِيَ سُبُلُ الشَّقَاءِ وَالْهَلَاكِ وَالْخَسَارِ الَّتِي تُفْضِي بِسَالِكِهَا إِلَى الْهَلَاكِ.
فَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا، ذَكَرَ صِفَاتِ الْكُفَّارِ الْمُظْهِرِينَ لِكُفْرِهِمْ، الْمُعَانِدِينَ لِلرَّسُولِ، فَقَالَ: