فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وجاءوا أباهم عشاء يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون .
؛ أي : لما ذهب إخوة يوسف بيوسف بعد ما أذن له أبوه ، وعزموا على أن يجعلوه في غيابة الجب ، كما قال قائلهم السابق ذكره ، وكانوا قادرين على ما أجمعوا عليه ، فنفذوا فيه قدرتهم ، وألقوه في الجب ، ثم إن الله لطف به بأن أوحى إليه وهو في تلك الحال الحرجة: لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون أي : سيكون منك معاتبة لهم ، وإخبار عن أمرهم هذا ، وهم لا يشعرون بذلك الأمر ، ففيه بشارة له بأنه سينجو مما وقع فيه ، وأن الله سيجمعه بأهله وإخوته على وجه العز والتمكين له في الأرض .
(16 وجاءوا أباهم عشاء يبكون : ليكون إتيانهم متأخرا عن عادتهم ، وبكاؤهم دليلا لهم وقرينة على صدقهم .
(17 ) فقالوا - متعذرين بعذر كاذب - يا أبانا إنا ذهبنا نستبق : إما على الأقدام ، أو بالرمي والنضال ، وتركنا يوسف عند متاعنا توفيرا له وراحة . فأكله الذئب في حال غيبتنا عنه في استباقنا وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين أي : تعذرنا بهذا العذر ، والظاهر أنك لا تصدقنا لما في قلبك من الحزن على يوسف ، والرقة الشديدة عليه . ولكن عدم تصديقك إيانا ، لا يمنعنا أن نعتذر بالعذر الحقيقي ، وكل هذا ، تأكيد لعذرهم .
(18 ) ( و ) مما أكدوا به قولهم أنهم : " جاءوا على قميصه بدم كذب " [ ص: 782 ] زعموا أنه دم يوسف حين أكله الذئب ، فلم يصدقهم أبوهم بذلك ، و قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا أي : زينت لكم أنفسكم أمرا قبيحا في التفريق بيني وبينه ؛ لأنه رأى من القرائن والأحوال ومن رؤيا يوسف التي قصها عليه ما دله على ما قال .
فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون أي : أما أنا فوظيفتي سأحرص على القيام بها ، وهي أني أصبر على هذه المحنة صبرا جميلا، سالما من السخط والتشكي إلى الخلق ، وأستعين الله على ذلك ، لا على حولي وقوتي ، فوعد من نفسه هذا الأمر وشكى إلى خالقه في قوله : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله : لأن الشكوى إلى الخالق لا تنافي الصبر الجميل ، لأن النبي إذا وعد وفى .